دروس الحل السياسي.. وآفاقه

قبل أن تغرب شمس عام 2013 ونفتح نافذة العام الجديد، امتلأت الصحف العربية والعالمية بالمقالات المتنوعة بمضامينها، المتعددة الألوان. ولمعت وجوه المحللين الاستراتيجيين على شاشات الفضائيات يضعون الاحتمالات ويرسمون آفاق المستقبل.. وكتاب قاموا بجردة حساب للعام الماضي بآلامه وأحزانه، ليس فقط قراءة نتائج الأزمة السورية التي تضع قدميها في عتبة العام الرابع، بل تشخيص مرحلة كاملة بعقودها وفصولها، وجزء كبير من العالم يتعرض لهجوم الإرهابيين التكفيريين القادمين من ثمانين دولة أتوا إلى سورية، يحملون السيوف والسواطير والمخدرات بتكليف من أعداء سورية وراجمي المرأة، ومن أصحاب الفتاوى التدميرية للتاريخ والحضارة والقيم الإنسانية والوطنية والتقدمية ولطمس هوية الشعب السوري وتفتيته.

ومع أول بزوغ لشمس العام الجديد الذي حمل الدفء لسماء سورية وبيوتها، لا يزال شعبنا الصابر يقدم الشهداء الأبطال في سبيل سورية حرة كريمة مستقلة، وهو في البداية والنهاية الذي يقرر مصيرها ومستقبلها السياسي.

لقد تعددت أشكال التحالفات الإقليمية والدولية، بعضها تزعزعت قواعده المؤسسة على رمال المصالح والمنافع، وأخرى تفككت وانهارت، وبرزت علاقات فرنسية – سعودية موقعة بشروط سعودية لعرقلة مؤتمر جنيف2 والاستمرار في دعم المجموعات التكفيرية، وتوظيف المال والسلاح لسقوط الدولة السورية. وما تزال فرنسا تزحف على ركبتيها لإرضاء الدولة الوهابية، وتأمين السلاح وتقديمه إلى الجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وبذل كل الجهود التخريبية لتشكيل حكومة لبنانية دون حزب الله.

أصبح الإرهاب أحد المهمات الملحة التي يجب على العالم أن يتضامن مجتمعاً للقضاء عليه واجتثاثه من جذوره. وقد امتدت أصابعه الأخطبوطية كالغيوم المتحركة في تهديد السلم العالمي، كما جرى منذ أيام من تفجيرات في روسيا، وما يجري في اليمن ولبنان ومصر والعراق وبلدان أخرى. وقدم الإرهابي بندر بن سلطان في زيارتيه إلى موسكو تهديدات مبطنة وإغراءات مجزية قبيل الألعاب الأولمبية الشتوية.. وتعهد للقيادة الروسية (بكبح جماح الخلايا الإرهابية الشيشانية مقابل تعهد روسي بالتخلي عن نظام الرئيس بشار الأسد..).. وجاء الرد من الرئيس الروسي قوياً ورادعاً، وأبدى غضبه من بندر، الداعم للإرهاب والممول له. إن مراجعة أحداث المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية ومكوناتها وداعميها بالمال والسلاح، تبين مدى عمق الأزمة التي تجتاح سورية والشقيقات العربيات، ومدى التآمر لتحويل المنطقة العربية والشرق أوسطية إلى (بازار) للدول العربية الرجعية والأوربية والولايات المتحدة، وسوق يباع فيه المواطن العربي بأبخس الأسعار.

وتستمر المحاولات الأمريكية والوساطات الأوربية لتشكيل وفد موحد من (الائتلاف وهيئة التنسيق والمعارضات في الداخل والخارج)، لكنها حتى الآن لم تنجح في تحديد هوية الوفد وعدده، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فشلت محاولات السفير روبرت فورد بضم (الجبهة الإسلامية) إلى المفاوضات كقوة عسكرية رئيسية للمعارضة المسلحة، لكنَّه نجح في إقناع الجبهة بعدم تشكيل إطار سياسي منافس (للائتلاف). وهناك من يرى أن ما يجري على الساحة السياسية من تبدلات ومماحكات وتغيرات جوهرية، بأن جنيف2 لن يتحقق دون مشاركة الإسلاميين، ولن يكون بوسع (الائتلاف) ولا المعارضة بشكل عام، الدخول في مفاوضات حول وقف إطلاق النار. ومهما تعددت الآراء وتباينت المواقف التكتيكية الإقليمية والدولية، لا يزال موقف الحكومة السورية ثابتاً من مؤتمر جنيف والمهمات المنوطة به، التي من أبرزها (مكافحة الإرهاب) واجتثاث منابعه وردع الدول الراعية والممولة له.

وأكد حزبنا أهمية الوقوف بحزم ضد أي شكل من أشكال العدوان أو التدخل العسكري، وضرورة وقف العنف وسفك الدماء بجميع أشكاله، وتطبيق أحكام الدستور والقوانين الإصلاحية الأخرى، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، واتخاذ تدابير جدية لمحاسبة الفاسدين واستئصال الفساد من جذوره، ومعالجة النتائج الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الأزمة، بما يحقق مصلحة الاقتصاد الوطني وحاجات الجماهير الملحة واليومية. والإسراع في معالجة أوضاع المهجرين والنازحين. والتوجه نحو عقد مؤتمر حوار وطني حقيقي شامل يضم جميع أطياف المجتمع السوري، بغية التوصل إلى مصالحة وطنية تتفق على عقد اجتماعي جديد ينقل البلاد إلى دولة مدنية تعددية تضمن الحقوق الديمقراطية والثقافية لجميع مكونات المجتمع السوري.

العدد 1107 - 22/5/2024