عقارات ولجان ومخالفات!

مما لاشك فيه أن مسألة المخالفات العقارية وجدت، في ظل الأزمة التي يعيشها القطر، الوسط المناسب،كي تتوالد وتنمو وتتضخم. في حين نامت عيون الرقابة ولم ترقَ القوانين والمراسيم المتعلقة بالمخالفات العقارية إلى المستوى المطلوب، بل بقيت قاصرة على كل حدّ سيفٍ بإمكانه أن يضع حدّاً لجشع البعض ممّن امتهنوا هذه المهنة من جهة، ومن جهة أخرى أنها بقيت حبراً على ورق!

أحدهم همس في أذني قائلاً: مادامت البلديات تقبض كالمنشار، فعليك أن لا تعذّب نفسك، وأنا أتحداهم أن يقوموا بهدم مخالفة واحدة بالشكل الصحيح، بل ترى الخجل على وجوههم إن قاموا بذلك! مع أنني شخصياً لا أود الحديث عن مثل هذه المواضيع ما لم تكن الأدلة بين يدي!

راجعنا المواطن غازي محمد حسن، الذي يقطن في الدريكيش، وقال إنه لم يدع باباً إلاّ وطرقه في سبيل وضع حدّ للمخالفة الموجودة بالقرب من منزله الكائن في حي المقلع، وأعطانا صوراً عن الشكاوى التي تقدم بها للبلدية وللخدمات الفنية ولمكتب الشكاوى في محافظة طرطوس. ولكن أي جهة من الجهات التي قدّم الشكوى لها لم تقم بإزالة المخالفة. وللإنصاف هذا نص الشكوى المقدمة إلى مجلس بلدية الدريكيش بتاريخ 20/12/2012:

أرجو الكشف والتحقق من المخالفة الكبيرة التي قام بها المهندس مدين محفوظ، الذي يحمل الرخصة 77 بجوار منزلي، علماً أن المذكور أعطي رخصة وقام بعملية غش وتزوير في الطابق الأرضي، إذ أقدم على صب بيتون بمساحة 80 بالمئة من العقار، واعتبار هذا العمل غير منشأ من أجل الحصول على طابق إضافي، وذلك بعلم المهندسة المشرفة وموافقتها. أرجو إزالة المخالفة.

وبعد مضي وقت طويل دون قيام البلدية بأي إجراء، عاد المواطن المذكور وسطّر كتاب تأكيد للبلدية جاء فيه: مازال المهندس المتعهد مدين محفوظ مستمراً في العمل وأنتم تنتظرونه لفرض أمر واقع يجبركم بواسطته على تعديل المخططات وفق المخالفة المرتكبة، ولم تتخذوا أي إجراء حتى تاريخه 30/12/2012.

ثم كشفت لجنة من البلدية وجاء في كتابها المسطر بتاريخ 30/12/2012: بناء على شرح المهندسة براءة دبرها التي منحت المهندس المتعهد الرخصة، والتي تتابع أمورها، فإنه لا يوجد أي مخالفة، وفي حال الشك بالمخالفة، يرجى التوجيه من قبلكم لتنظيم الضبط اللازم.

عندما لم يقتنع المواطن المذكور بما جاء في كتاب البلدية، قام بتقديم شكوى لمكتب الشكاوى في محافظة طرطوس جاء فيها: تقدمت بتاريخ 20/12 /2012 بشكوى إلى بلدية الدريكيش ومكتب المخالفات، وأعلمتهم بوجود مخالفة بناء من خلال صبّ جزء من بناء من المفروض أن يكون مردوماً، علماً أن جزءاً من الأرض المقام عليها البناء مصممة على أساس أنها حديقة!

المواطن غازي حسن طالب بإحالة الموضوع إلى جهة أخرى غير البلدية للتحقيق في الأمر، وهذا ما حدث فعلاً، إذ كُلّف لجنة من الخدمات الفنية بالدريكيش للكشف على البناء، وجاء في تقرير اللجنة: إشارة لحاشية السيد المحافظ المسطرة بتاريخ 6/3/2013 بخصوص شكوى المواطن غازي حسن، حول مخالفة البناء في الرخصة رقم  77 نبيّن مايلي: هناك زيادة عن المساحة المرخصة بحدود 60 متراً مربعاً دون البروزات، مع عدم تنفيذ الجدار الاستنادي الملحوظ على المخططات بين الجزء المنفذ ومنطقة الردم.. ومما ورد تحت البند رقم 2: عدم إزالة جدار البلوك، بل تلبيسه بالبيتون بسماكة 12 سم، ودون قاعدة على شكل جدار استنادي، وهو مخالف للشروط والمواصفات الفنية من حيث التسليح والمقطع، ويمكن إزالته في أي وقت، وبالتالي فإن الجدار هو جزء من البناء. مع الإشارة إلى أنه تم مراجعة البلدية في الدريكيش بخصوص الإشراف على الجدار، ولكن تبيّن أن البلدية لم تقم بالإشراف – والكلام مازال لتقرير لجنة مكتب الخدمات الفنية – واقتُرح في نهاية الخبرة على مايلي: إن تنفيذ الجدار الاستنادي وفق الشروط والمخططات الواردة في المخططات المصدّقة والمرخصة أصولاً وفق الواقع الراهن غير ممكن بعد تنفيذ الجملة الإنشائية، إلا بعد تكسير الجزء المخالف للترخيص، وذلك يتطلب دراسة فنية جديدة وفق الواقع الراهن، إضافة إلى اقتراح التوجه إلى بلدية الدريكيش لإلزام المتعهد بترخيص الطابق الأرضي المصبوب وفق الواقع المفرّغ والذي سمحت به البلدية منذ البداية، وإعادة النظر في ترخيص الطابق الأخير. ومما جاء في كتاب المكتب الفني الاستشاري بمحافظة طرطوس، رداً على الشكوى المذكورة بتاريخ 18/2/2012: بعد الكشف والتدقيق، تبين وجود جدار بلوك مع أعمدة، بدلاً من جدار استنادي بين منطقة الردم ومنطقة البناء، وهذا يعني عدم التقيد التام بالرخصة الممنوحة. يطلب إليكم العمل على استبدال جدار البلوك بجدار استنادي وفقاً للمخطط الهندسي، والمتابعة لأعمال البناء، منعاً لحدوث أي مخالفة.

بعد أن راجعنا مكتب الخدمات الفنية واتصلنا بالمحافظة وراجعنا بلدية الدريكيش، حصلنا على كتاب موجّه من محافظة طرطوس إلى بلدية الدريكيش بتاريخ 9/4/2013 يضع حداً لكل الجدل المتعلق بالعقار، وينص على متابعة أعمال البناء وفق الترخيص الممنوح ومراقبة البناء، منعاً لأي تفريغ مخالف.

هنا تنتهي بعض فصول هذه القضية، مع إصرار كل من المواطن غازي حسن على شكواه، وبالمقابل إصرار المتعهد على موقفه، وبين تناقض اللجان المشكلة والردود ننتظر المستقبل الذي سيؤكد لنا أي الطرفين كان على صواب، مع احتفاظنا برأينا حتى ذلك الحين!

العدد 1105 - 01/5/2024