باسم عبدو يحترف الصحافة ويبدع القصص ويمارس النقد

(أجريت هذا اللّقاء مع الإعلامي والأديب المرحوم باسم عبدو رئيس تحرير جريدة النّور، ومدير تحرير جريدة الأسبوع الأدبي، منذ فترة مضت قبل رحيله عن عالمنا، وكنت على وشك نشرها في إحدى الصّحف، حين فوجئت وأنا في مقر اتحاد الكتّاب العرب بصدد زيارته، بنبأ وفاته في اليوم نفسه. رحمه الله وأحسن إليه…).

كنت على موعد أخضر مع الصحفي والقاص باسم عبدو الذي يتولى رئاسة تحرير إحدى الصحف المعروفة بعلميتها ووطنيتها والصدق في أطروحاتها دون أن يزلف عن موهبته الأدبية،التي منحها جهوداً وافية، فأصبح من القاصين المتميزين، والأدباء المشهورين على الساحة الثقافية فيما اختارته المراكز الثقافية…. العربية السورية ناقداً للمبدعين في أمسياتها الأدبية، ولا حظته فاحصاً ومشخّصاً للنّصوص والقصص والقصائد الشّعرية.وقد جرى بيننا هذا الحوار الذي تناول فيه القصة القصيرة.

 

* بدءاً لا أريد منك أن نتوسع في جميع ساحات العمل الصّحفي والأدبي وإنما أريد منك إطلالة موجزة على القصة القصيرة والحديثة.فماذا تقول عنها مضموناً وإطاراً؟

** لابد لي وأنا أجيب عن هذا السؤال، أن أتطرق إلى بعض القضايا النظرية التي تدور حول البناء الفني للقصة القصيرة دون أن أغفل المضمون أو ثيمة القصة أي الفكرة (المضمون الذي تقصده) فهناك علاقة متداخلة لا تنفصل بين الشكل والمضمون ولكن قوّة القصّة ليست في مضمونها وحسب، برغم أهمّية الحدث بل في تقنيتها وبنائها وإذا كان البنّاء ماهراً في هندسة العمارة..فستكون متألقة ولافتة..

* ماذهبت إليه ذكّرني بقول العلاّمة الكبير الدكتور علي الوردي، حول ضرورة أن يكون الإطار منسجماً مع المضمون ومعبراً عن حيثياته، لافتاً إلى أهمية أن لابدّ من التزاوج بينهما ليكون المنتج متكاملاً.

** بالضبط هذا هو عين الصّواب، وإن الخَلَف لا بدّ _ وأن يتأثرّ بالسلف..ولايدّ للخلف أن يأخذ إرث السلف قاعدة لانطلاقه ليكون نتاجه أكثر موضوعية وفاعلية.

* (طيّب). هل لك أن تحدّثنا عن القصّة النّاجحة، كيف تكون ومن يقيّمها؟

** بإمكاني أن أقول: إنَ القصّة القصيرة يمكن عدّها من السّرديات، وتكون إمّا تخييلية أو واقعية. والقصّة النّاجحة هي التي تثير الإمتاع، وتنتزع الإعجاب وتترك انطباعاً مؤثراً لدى المتلقي، أو ما يسمونه بوحدة الأثر.خاصّة إذا كانت النهاية مفتوحة لا تفرض على القارئ أو المتلقي فرضاً، يل تتركه يؤوّل الخواتيم حسب ما يرى ويتصّور أو يسمع. أقول :إنّ القصة الكلاسيكية تشق طريق سيرها السرديّ باتحاه واحد، يبدأ من المقدّمة، ثم الحبكة (أو عقدة القصّة وتنتهي عند لحظة التّنوير، وقد يختار القاّص شخصية أو أكثر …بقدر ما يتّسع المكان (الواقعي والمتخيل ) للحدث وحركة الشّخوص وتتابعها.

* أين نحن من القصّة الحديثة؟

** القصة الحديثة تخالف خطّ السّير الأفقي للقصّة التقليدية الذي يبدأ من النّقطة (أ) وينتهي في النّقطة (و) ويمكن أن تبدأ القصّة الحديثة من النهاية ثم تنهض على قاعدة تداخل المستقدم الماضي بالحاضر للأزمنة أو الضمائر والشّغل على المونولوج الداخلي لربطه بما يحمله من مؤثرات دلالية وخواتيم مفتوحة.

*هل لنا أن نعرف شيئاً عن قصّ الحدث أو الحكاية.

** توجد قصص تعير اهتماماً أكبر للحدث أو الحكاية أكثر من بقية العناصر الأخرى فيما يحدث العكس عند آخرين، فيهتمون بالشّخصية بلونيها (البرانيّ والجوانيّ)، ويسمّى هذا النوع بقصّة الحدث أوقصّة الشّخصيّة… وتكون الحركة، هنا هي الأساس في تنمية الحدث وتطّوره وتفاعله مع الشّخوص صعوداً وهبوطاً إلى الحبكة

* ماهو السّرد في المجال القصصي؟

** إن السّرد في المجال القصصي بمثابة القلب النابض في القصّة، فهو ينقل الحدث من صورة الواقع إلى الصّورة اللّغوية مع تركيز على استخدام العنصر النفسي.

*هل تستند فيما تذهب إليه على أقوال كتّاب عالميين؟

** إنني أواصل القراءة والتتبع فهما زادي ومائي، وربما يتطابق ما يقوله (تودورف) مع قولي :إنّ القصّة هي الحياة، ولايمكن لشعب. من الشّعوب أن يوجد دون أن يضمّن رؤاه وخصائص هويّته الأكثر كموناً في الحكاية.

*ماذا تتضمن القصّة الحديثة؟

** إن القصّة الحديثة تتطرّق إلى جميع مضمونات المجتمع وتطلّعاته والمستجدات الطّازجة اليوميّة المتداولة بين الناس التي تتناول أكثر من قضيّة في آن واحد وتجعل الأحداث متداخلة فيما بينها، وأن تكون مشوّقة للقرّاء ومتوهّجة..وأن الظّروف وسير الحدث وتطوّره هو الذي يحدّد نهاية القصّة إضافة إلى أنّ القصة الحديثة طرحت الخيال العلميّ والسّخرية.

*هل ثمّة تباين بين قصّاصيّ القرن المنصرم وقصّاصيّ المرحلة الراهنة؟

* خلال النّصف الثاني من القرن الماضي كان القصّاصون جاثمين تحت سقف الواقع باعتبار المؤثرات الإيديولوجية، لذلك تمسّكوا بوحدة الحكاية ودافعوا عن علاقتها الحميمة بالواقع باعتباره الملهم والكتابة هي الأداة لتغيير هذا الواقع، بينما تغير مجال وظيفة الكتابة في الحياة الرّاهنة، وأصبح الواقع في عمق الذات السّادرة يدور على محورين أساسيين هما المعاش والمتخيل، وأصبحت الكتابة أكثر جرأة تمسّ موضوع الحريّة الجنسيّة وتحوّلات القيم والعلاقة المتباينة مع النّظام السّياسي وصراع الأجيال.وتعمل القصّة على تكسير التابوات المحرّمة واجتياز حاجز الرقابة الشائك والشّرطي الدّاخلي.

*طيب أيهما أحبّ إليك الصّحافة أم كتابة القصّة؟

** الاثنان معاً فكلاهما أثرى حياتي، وعكس الصورة الحقيقيّة لذاتي، فأنا لا يمكن أن أعرف نفسي، ولكن الكتابة ورأي المتلقي هما المرآة التي تعكس وجهي ومضموني.

* قلت له: وفي هذا قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

لست أزعم أنني أعرف نفسي فتلك منزلة لا يبلغها أحد من بني البشر…يعرف الناس بعضهم من خلال تماسه.

** نعم وأظنّ أنّك تعرفني من خلال كتاباتي.

*هل أنت ناقد؟ أراك في بعض الأمسيات على منصة النقد؟

**لا لست ناقداً، لكن بإمكاني أن أنقد وأعطي رأياً في نتاج ما. فالشاعر يمكن أن يكون ناقداً في مجال الشعر، وكذلك القاص في مجال القصة والناقد قد يكون شاعراً أو قاصاً حسب ميوله.

* وهل الصحفي من الضروري أن يكون شاعراً أو قاصّاً؟

** لا فالصحفي له مساحاته الأكثر اتساعاً فهو يعرف أشياء عن كلّ شيء، وهو بمثابة الحديقة التي تنتشر فيها الأزهار.

العدد 1105 - 01/5/2024