صورة الجسم ما بين الجمال والتوافق النفسي

تشكل وظيفة الجسد ومظهره جانباً مهماً من جوانب الحياة، ويتمثل ذلك في تفاعلات الآخرين أو ردود أفعالهم تجاه جسم أي منا، وكذلك عندما نتفاعل مع العالم الاجتماعي المحيط بنا.

يُعد مظهر الجسم من الأمور الرئيسة التي تشغل بال الكثير من الناس، لا سيما الشباب، ويظهر ذلك جلياً في النّظرة الخارجية التي تختص بالتأثيرات الاجتماعية للمظهر، والنّظرة الداخلية التي تشير إلى التجارب أو الخبرات الشّخصية التي تختص بالمظهر، أو بما يبدو عليه الفرد في الواقع، والنظرة الداخلية بمعناها الواسع هي ما أطلق عليه علماء النفس ما يسمى (صورة الجسم)، والتمييز بين النظرة الداخلية والخارجية للجسد يعتبر ذا أهمية بالغة، لأننا لا نرى أنفسنا بالطريقة التي يرانا بها الآخرون.

هناك تجارب عيادية وحياتية عديدة تتصل بالخبرات المتعلقة بالنظرة إلى الجسم بالنسبة لعدد كبير من الناس، فهناك من تكون نظرتهم مشحونة بالاستياء أو عدم الرضا، مما يجعلهم على الدوام منشغلين زيادة عن الحد المتعارف عليه الذي يشعر به الأفراد ذاتياً، لذلك نجد مثل هؤلاء الأشخاص يقومون بمحاولات عديدة لتغيير مظهرهم الجسدي، ويعيشون في نضال مستمر من أجل تحقيق هذا الهدف، ومن ثم التّعامل مع المشاعر والعواطف السّلبية الناتجة عن ذلك، وكل الجهود التي تسهم إلى حد كبير في ظهور عدد من الاضطرابات النفسية.

عندما يكون الجانب الجسمي الذي له علاقة باضطراب صورة الجسم شديداً قاسياً، فإن الاضطراب يدخل بما يسمى دائرة خواف العجز أو التشوه (اضطراب صورة، هذا الاضطراب يشير إلى صورة الجسم، وهي الصورة الإيجابية أو السلبية التي يكونها الشخص في ذهنه عن جسمه.

إن الإنسان جسد وفكر وروح، ووفقاً لمعايير الجمال المعتمدة، التوافق بينهما هو المجدد الأعظم لهذا الجمال.

الجمال بالمعنى النّفسي هو التّوافق، وانعدام الأناقة والجمال هما من علائم المرض، أو الحالة المضادة لحالة الاسترخاء الحر، ليكون الجسد الرشيق هو معيار الصحة، كما هو معيار الجمال، فهناك الكثير من الأمراض النّفسية لها ارتباط قوي مع انعدام الرشاقة، من حيث أن كل مرض يصيب الشّخصية له أعراضه الجسدية، إذ يمكن القول إن الأمراض النّفسية هي انعكاس للمشكلات الفيزيولوجية(الجسدية) والعكس بالعكس، ليكون التساؤل الجوهري عند حكيم النّفس هو: كيف فقدت الشّخصية رشاقتها وجمالها؟

عندما يكتسب الإنسان مهارة معينة، ويطور قدراته في نشاط موجه، تُكتسب عنده رشاقة أكبر تُضاف إلى معايير الجمال لديه، فالمتزلج المنطلق والمنحدر من المرتفع، يبدو رشيقاً جميلاً، والراقصة التي تنفذ خطوات وضعها مدرب رقص، تبدو رشيقة جميلة للناظر، والأشخاص الذين يمارسون تدريب الجياد يعرفون أن الحصان الذي تكون روحه مكسورة، لن يكون أبداً هو الحصان المفضل والفائز في المباريات..

الرشاقة والصّحة تقومان على التّوازن ما بين الأنا والجسد، بين الإرادة والرّغبة..

من خلال هذه التأملات الفكرية حول علاقة النفس بالجسد، يظهر بوضوح أن مفتاح استعادة الرشاقة هو تحرير الجسد كي يتحرك بتلقائية وعفوية، وبالتالي يبرز جمال هذا الجسد، خلافاً للحركات الشّعورية الواعية التي توجهها الإرادة، تكون الحركات النابعة من الرغبة التلقائية.

الإنسان السليم المعافى تكون حركاته تلقائية، ولا تكون أبداً مشوشة مختلة..

فالنّفس تشتاق إلى الرّشاقة الطّبيعية، وتود التّحرر من قيود الأنا، ومرات قد لا تكون الإرادة قادرة على إعادتنا إلى الرشاقة وإبراز الجمال.. أما روحانية الجسد فتتجدد من خلال الشّعور بالوحدة مع الكون، ولكن الشّعور العاطفي على العموم مغايراً للفكر والقناعة، لأنه يبرز أنه أكبر من وظيفة العقل، لأن الإنسان بشعوره العاطفي يشمل الجسد كله، فالعاطفة تتكون من عنصرين متلازمين هما:

1- نشاط الجسد

2- إدراك الوعي لهذا النشاط.

 حتى يمكن اعتبار المشاعر قوة توحد العقل والجسد. أما الجسد بحد ذاته فهو غير قادر على استثارة نشوء المشاعر بمفرده مهما امتلك من مقومات جمالية، فقد يكون لدى الإنسان عقل شعوري متطور، ولكنه رغم ذلك لا يملك التأثير على الآخرين بشيء، ويمكن للجسد أن يكون نشيطاً، ولكن لا تنشأ أية مشاعر بالمظهر إليه، وذلك عندما تنقطع الصلة بين جهازي إدراك الأنا، وموضوع الإدراك الجسد.

 هنا نجد أن الإنسان يتحرك بنفس ميتة، أي كما يقال جسد بلا روح، بمعنى أدق فاقد للجمال والإثارة، إلاّ الشاذين من البشر وهم موجودون بالطبع..

العدد 1105 - 01/5/2024