فـريضة إسلامية أم ثـمن للمرأة؟

يدّعي الشارع الإسلامي أن المهر يعزز قيمة المرأة بذريعة أنه يعينها على شراء حاجيات الزواج، وفيه تمكين ومساعدة في التجهيز للعرس والاستعداد للمعاونة في تأثيث بيت الزوجية، وإعداد ملابسها  وزينتها وما تحتاج إليه.

وينفي الشارع الإسلامي كون المهر ثمناً لشراء المرأة والاستمتاع بها، بذريعة أنه ليس شرطاً وليس ركناً في الزواج – وإن كان واجباً في العقد- إنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه.

ولكن بعيداً عن أصول الشرع وقواعد الفقه الإسلامي، ما الذي يحكيه واقعنا؟ وما هي العوامل التي تؤثر في مقدار المهر؟

الرجل في المجتمع السوري يدرك أن زواجه من امرأة ما يجعله منسوباً لأسرتها بشكل أو آخر، الأمر الذي يؤثر على مستقبله المهني والشخصي إلى حد كبير، وبالتالي يوجد ارتباط مباشر لغلاء المهر والمبالغة به مع ارتفاع مكانة المرأة الاجتماعية والعلمية، فكلما كانت المرأة من عائلة ذات نسب شهير أو نفوذ سياسي وثراء مادي كبير ارتفع مهرها، وأصبح وسيلة لمفاخرة أهلها بزواجها بقولهم: (تزوجت ابنتي بمهر كذا وكذا)، ومصدراً للمفاخرة لدى الرجل أيضاً بقوله: (زوجتي من بيت فلان/ابنة).

مستوى التحصيل العلمي له دوره أيضاً. فكلما زادت درجة المرأة العلمية (خاصة شهاداتها الجامعية) أصبحت مرغوبة أكثر من قبل المتقدمين للزواج، الأمر الذي يجعلها مخولة لطلب مهر أكبر، إذ يشيع الاعتقاد بأن صاحبة الشهادة الجامعية العليا يمكن لها أن تفيد زوجها وتعينه مادياً مستقبلاً، وتكون أكثر قدرة على تربية الأطفال، ومجدداً مصدراً للمفاخرة (زوجتي جامعية أو طبيبة)!

المدافعون عن فرض المهر يرون في غيابه حطّاً من قدر المرأة وتسهيلاً لحل الرابطة الزوجية والزواج بأخريات، إلا أنه يغيب عن أذهانهم بعض الحقائق البسيطة بخصوصه. فاالمهر المرتفع لا يعبر عن قيمة المرأة الإنسانية الحقيقية، ولا يعقل أن نضع سعراً لقيمة الإنسان أساساً، كما لا يعقل أن تصبح أنثى ما أغلى، أهم، أكثر أهلية من غيرها بناء على جمالها الجسدي وحسبها ونسبها فقط، دون أي اعتبار لبقية المقومات الفكرية أو النفسية. وليس بالضرورة أن تكون المرأة ذات النسب الحسن أو الشهادة العليا زوجة صالحة ومخلصة أو أماً فاضلة!

يسود اعتقاد بين بعض العائلات السورية وخاصة ذات المستوى التعليمي المتدني بأن المهر المرتفع يضمن مستقبل المرأة، ولكنه في الواقع لا يضمن سوى انعدام احتمال طلاقها أو تخفيفه، هو يمنع زوجها من تطليقها، ولكنه لا يمنعه من خيانتها أو الزواج عليها من أخرى، بل حتى لا يمنعه من تحويل حياتها إلى جحيم، وقد يصل الأمر بالزوج إلى الإساءة الكلامية والجسدية لزوجته كي تلجأ للقضاء طلباً للمخالعة معفية إياه من مهرها برمته!

المهر، وإن كان ذا أساس ديني، إلا أنه يتأثر بالعوامل الاقتصادية الراهنة بشكل كبير. فخلال الأزمة السورية الراهنة شهدنا الكثير من حالات الزواج دون مهر أو مقابل مهر ضئيل، وهذا يُعزى لتفاسير عدة متضاربة. فأحياناً يكون لدى أهل الفتاة الرغبة بتقليل عدد أفراد الأسرة وتخفيف الأعباء والنفقات عن أنفسهم، والرمي بتلك الأعباء وتكاليف الحياة على رجل آخر يزوجونه ابنتهم كيفما اتفق، ومع ذلك يفاجؤون أحياناً بأن الزوج قد لا يكون أهلا للزواج أو لبناء أسرة وتعود إليهم ابنتهم حاملة أطفالها ومحمِّلة أهلها أعباء مادية أكبر من السابق. حالات أخرى (مشرقة) حصلت لزواج فتيات دون مهر(و إن كانت نادرة) تفهُّماً من الفتاة وأهلها للواقع المادي الصعب الذي تقاسيه البلاد. وفي حالات أخرى زوجت الفتاة نفسها لمن يرغب بالهجرة إلى أوربا دون مهر (بل حتى دفعت له نقوداً) هرباً من الواقع السيئ وطمعاً بمستقبل أفضل. قسوة الواقع الاقتصادي تفرض نفسها أحياناً على الرجل ومدى استعداده لدفع مهر مرتفع. فبعض الرجال يسعون للزواج بالمرأة العاملة أو التي تملك مقومات الانخراط في سوق العمل على الأقل، كالشهادة الجامعية أو الخبرة العملية الطويلة – وإن طلبت مهراً مرتفعاً أكثر- لعلمه بأنها قد تعينه بإيجاد مصدر دخل ثانٍ لأسرته.

العدد 1105 - 01/5/2024