المهر ثمن يدفع للزوجة أم تدفعه..؟

 الزواج من أهم النظم الاجتماعية التي تعمل على توازن المجتمع وتماسكه واستقراره من خلال الخلية الأساسية الناتجة عنه وهي الأسرة، التي تبنى على أساس السعادة والاستقرار والسكينة. ويعتبر المهر المدخل لتحمل مسؤولية الزواج وعنائه تبعاته، وبه تبدأ الحياة الزوجية، فيكون المهر عطية من الزوج تحمل معنى الجدية في الارتباط بالمرأة، فهو التزام ينشأ عن عقد الزواج وهذا العقد مقدس له أركان وشروط فرضها التشريع الإلهي وأقرها القانون، فقد خص قانون الأحوال الشخصية السوري المرأة بشكل عام والزوجة بشكل خاص بأحكام كثيرة لضمان حقوقها.

 فقد أفرد الباب الرابع- الفصل الأول- المواد (53- 56) موضوع المهر باعتباره أثراً من آثار الزواج وليس شرطاً أو ركناً من أركان عقد الزواج، فهو من الحقوق المالية للزوجة، ولكن استحقاقه لا يعني وجوبه كله لها، فهناك حالات يكون كل المهر للزوجة، وحالات أخرى تستحق فيها نصفه أو مهر المثل أو أقل من المهر المسمى مهر المثل، والحالات التي تستحق فيها المرأة المهر كله يكون بالدخول الحقيقي. كما أن موت أحد الزوجين بعد الدخول أو قبله يوجب المهر كله.

كما أحاط قانون الأحوال مهر المرأة بضمانات عديدة (استحقاقه – عدم تعديله أو الإبراء منه أو التنازل عنه – وجوب قبضه لها بالذات ما لم توكل غيرها – الحبس التنفيذي).

وقد أدخل العرف والعادات أيضاً تعديلاً على قبض المهر، فأصبح مقسماً لمعجّل ومؤجّل. وأيضاً أصبح المعجل مقسماً إلى معجّل مقبوض ومعجل غير مقبوض، فالأصل في المهر المعجل أن يتم قبضه حين إبرام عقد الزواج، ولكن لتيسير عملية الزواج ونتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية يلجأ بعض الأزواج إلى تسجيل المهر غير مقبوض يبقى بذمته، وهذا ما أوردته المادة 53 من قانون الأحوال الشخصية السوري (حيث يجب المهر للزوجة إذا تم بين الزوجين بعقد نكاح صحيح سواء سمّي عند العقد أم لم يسمّ أو وفّي أصلاً) فالمشرع جعله واجباً على الزوج دون أن يضع حداً لأقله أو أكثره. فالمهر حسب الاعتقاد السائد في المجتمع، وحسب ما أفرد له قانون الأحوال الشخصيه من مواد بأنه ضمانة للمرأة ومستقبلها،

ولكن، نتيجة للتحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى تغيرات هامة في نظام الزواج، أظهرت فشل هذا الاعتقاد والمبتغى من القانون لوجود تناقضات في مواده. فالمادة 58 التي نصت على: (إذا وقع الطلاق قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة وجب نصف المهر) أي أن كامل المهر يستحق بالدخول. وأيضاً أعطى القانون الزوجة التي لم تقبض مهرها أن تغادر منزل الزوجية فلا سلطان له عليها ما لم يدفع لها كامل المهر، مما يعني ربطه بين المهر ومتابعة الزوجة لزوجها، وبهذا يضمن الزوج طاعة زوجته له بدفع المهر لها، وهذا ضمان لطاعته وهذا ما نصت عليه المادة 72 ف2 منه: (يعد امتناع الزوجة عن زوجها بحق مادام الزوج لم يدفع معجل المهر أو لم يهيئ لها المسكن الشرعي). وهذا ما أكده أيضاً المشرع السوري في المادة 66 منه: (على الزوجة بعد قبض معجلها أن تسكن مع زوجها) وهذا ينفي عن المهر صفة العطية. وفي حال تم التفريق بين الزوجين لعلة الشقاق أو الضرر، فالقانون ربط بين إساءة الزوجة لزوجها ومقدار ما تستحق من مهر، فمبلغ المهر المتفق عليه بين الزوجين عند إنشاء عقد الزواج فيه ضمان للزوج بعدم إساءة الزوجة له، وفي هذه الحالة عليها رد نصفه إذا تم قبضه كاملاً.

وأيضاً في حالة التفريق لعدم الاتفاق، فإذا كانت الزوجة سبب الفرقة فهي تستحق نصف مهرها المسمى بالعقد قبل الدخول، أما بعد الدخول فتقسم هذه النسبة حسب تقصير كل منهما. وأيضاً ما أوردته المادة 54 منه: (لا حد لأقل المهر ولا لأكثره) وهذا يدل على أنه يمكن الاستغناء عنه. أيضاً ما أوردته المادة 60 منه: (المهر حق للزوجة ولا تبرأ ذمة الزوج منه إلا بدفعه إليها بالذات إن كانت كاملة الأهلية ما لم توكل في وثيقة العقد وكيلاً خاصاً يقبضه، وإن كانت غير راشدة كالصغيرة أو المحجور عليها لسفه أو غفلة فوليّ المال يتولى قبض مهرها). وهذا مايخالف ماجرت عليه العادات والتقاليد، فبعض الآباء يستولون على مهور بناتهن، وتحرم هي منه فتصبح سلعة يقبض الأب ثمنها بجعلها صفقة رابحة.

وأيضاً عندما أعطى القانون للزوجة مهر المثل أي لمثيلاتها من حيث المركز الاجتماعي والثقافي والعمر والجمال وما إلى ذلك من عوامل في تحديد قيمة المهر. وأيضاً التمييز بين مهر الثيب ومهر البكر، هذا يخالف ما أقره الدستور من مساواة بين المواطنين وحماية الأسرة. فالمهر فشل في أداء دوره كضمان للزوجة لتأمين متطلبات الحياة والمعيشة وخاصة في ظل تغير الظروف الاقتصادية وضعف القيمة الشرائية للعملة مع ازدياد المتطلبات المادية والمستلزمات اليومية. وفي ظل هذه الأزمة التي نعيشها انخفضت قيمة النقد انخفاضاً كبيراً. وكذلك بحكم تغير قيم المجتمع بسبب الظروف المعيشية الصعبة والبطالة وتكاليف الزواج، فقد انتشرت العلاقات غير المشروعة، وحالات الزواج العرفي، فأصبح المهر حبراً على ورق. فمن العدل أن يحق للزوجة الرجوع بالتعويض عن أي ضرر ناشئ عن عقد الزواج للمسؤولية المدنية حسب المادة 164 من القانون المدني: (من سبب ضرراً للغير عليه تعويض هذا الضرر). وأيضاً حساب المهر على أساس القيمة الشرائية.والاعتراف بالعمل المنزلي للزوجة كرافد للناتج الوطني، ولها الحق في المال المكتسب للزوج بعد الزواج، وتعديل قانون الأحوال الشخصية حتى لا تبقى المرأة مسجونة بين قضبان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعادات والتقاليد.

العدد 1107 - 22/5/2024