الاستثمار… والمصارف الخاصة وقاطرة التنمية

عند دخول المصارف الخاصة إلى سورية في عام ،2004 هلّل مسؤولو الاقتصاد ورجال الأعمال لعودة النشاط المصرفي الخاص، لكننا أبدينا شكوكنا آنذاك بإمكان قيام هذه المصارف بدور محفز في تشجيع القطاعات الصناعية الخاصة والعامة والمشاريع الزراعية، وطالبنا الحكومة آنذاك بدعم المشاريع الصناعية ومشاريع البنية التحتية، وعدم الاعتماد في ذلك على المصارف الخاصة.

بعد سنوات من العمل بين 2004 و،2007 كانت 46% من قروض المصارف الخاصة تتجه إلى قطاع التجارة، أما في الصناعة فلم تتجاوز 16%، وفي الزراعة كانت (صفراً).

لكن العجيب في الأمر أن المصارف العامة خلال العقد الماضي اتخذت المسار نفسه الذي اختطته المصارف الخاصة في سياساتها الائتمانية، فقد أظهرت بيانات المصرف المركزي أن تسليفات المصارف العامة والخاصة معاً في عام 2008 بلغت 982 مليار ليرة سورية، وحصة المصارف العامة منها 88%، هذه التسليفات اتجهت نحو تجارة الجملة والمفرق 56%، والزراعة 11% والصناعة حصلت فقط على 6%.

لم يتغير في الأمر شيء بعد ذلك، وجرى تدمير ممنهج للصناعة الوطنية بشقيها الخاص والعام، بعد فتح الأسواق السورية لمنتجات تركيا ودول الخليج.

في إطار التحضير لما بعد انتهاء أزمتنا الوطنية التي عصفت بالبشر والشجر والحجر، وبعد الأجندات التي تعد هنا وهناك لإعادة إعمار سورية، هل ستبقى سياسة الإقراض المصرفي كما كانت؟

هيئة الاستثمار (حسب الصحف الرسمية) طالبت قبل أسابيع بتسهيل إقراض المشاريع الصناعية، لإعادة عجلة الإنتاج إلى الدوران لخدمة عملية التنمية في البلاد.. ولا ندري ما إن كانت المصارف الخاصة ستستجيب لهذه المطالبة؟

حسب اعتقادنا إن هذه المصارف لن تغيّر شيئاً في سياساتها التسليفية السابقة، وستتجه إلى القطاع التجاري ومشاريع السياحة، لذلك لابد من تدخّل الدولة عن طريق المصارف العامة لإعادة تشغيل المشاريع الصناعية، فتسهيل إقراض هذه المشاريع مرهون بقرارات حكومية، وآن للحكومة اتخاذ هذه القرارات.. ونهمس في آذان مسؤولي هيئة الاستثمار: بدلاً من مطالبة المصارف بتسهيل الإقراض، لا ترخّصوا إلا للمشاريع التي تخدم عملية إعادة البناء، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. أجّلوا، إلى حين، ترخيص المشاريع السياحية والعقارية، وامنحوا المشاريع الصناعية والزراعية- التي تعد بجميع المقاييس (قاطرة التنمية)- جميع المحفزات للقيام بدورها القاطر لبقية القطاعات الأخرى.

لدينا مئات الفنادق، والمطاعم، والمنتجعات، ولكن كم معملاً للزبدة في سورية، وكم مصنعاً للسمنة فيها؟!

ومازلنا نستورد عصائر الفواكه، وإطارات السيارات، والأدوات المنزلية!

العدد 1105 - 01/5/2024