لا تقدّم في الجولة الثانية من جنيف 2

محاولات أمريكية لإرهاب السوريين بالعدوان العسكري

وخيار شعبنا لمّ الصفوف عبر حوار وطني

 

أعلن الأخضر الإبراهيمي عدم إحراز تقدم في الجولة الثانية من جنيف2 وأبدى اعتذاره من الشعب السوري، ولم يحدد موعداً للجلسة الثالثة، رغم تأكيد الوفد السوري استمراره في عملية التفاوض.. أما وفد الائتلاف، فقد فوجئ بموافقة وليد المعلم على جدول الأعمال الذي وضعه الإبراهيمي، فأراد توقيف الجهود السلمية بانتظار الدعم الأمريكي بزيادة الضغط على سورية، تمهيداً لوأد المساعي السياسية.

انتظار (الائتلافيين) لم يدم طويلاً، فقد أعلن كيري أن أوباما طالبه ببحث خيارات أمريكية جديدة في سورية، وأنه قلق لتدهور الوضع الإنساني، خاصة أن محادثات السلام لم تؤدّ إلى بحث تشكيل هيئة الحكم الانتقالي.. كذلك ذكر المتحدث باسم البنتاغون: (هناك اهتمام بنطاق واسع من الخيارات من مختلف أطياف القوة وليس الجيش فقط..الخيارات العسكرية لاتزال متاحة للرئيس إذا احتاجها..). وكان أوباما قد صرح في مؤتمر صحفي مع حليفه الفرنسي (أن هناك قدراً كبيراً من الإحباط)، ولمّح إلى احتمال إعادة النظر بسياسته تجاه سورية.

أما الفرنسيون والبريطانيون فقد حمّلوا الحكومة السورية مسؤولية الفشل، ومازالوا يراهنون على قرار (إنساني) في مجلس الأمن تحت الفصل السابع.

جميع هذه الضغوط جاءت بعد أن تأكد للجميع أن الوفد السوري لم يأت إلى جنيف 2 من موقع ضعيف، بل جاء مدعوماً بتقدم القوات السورية في عديد المناطق، وقرب حسم موقعة القلمون، بعد حصار منطقة يبرود التي تعد معقلاً رئيساً للمجموعات الإرهابية.. كذلك بمصالحات وطنية جرت وأخرى تجري في جميع المدن والمناطق السورية.

المليارات السعودية لعبت دوراً محرضاً لمواقف الأمريكيين والأوربيين التصعيدية ضد سورية، فبعد صفقة السلاح الفرنسي للسعودية ولبنان، وقعت شركة (جنرال ديناميكس) مع السعودية على عقد بقيمة 13 مليار دولار لتوريد عربات مدرعة خفيفة.. كذلك كان للأمر الملكي (بمكافحة الإرهاب) الذي يتضمن معاقبة المنتمين للمجموعات الإرهابية في سورية بأحكام مشددة حين عودتهم، دور في إصرارهم على البقاء واستمرار القتال، وعدم التفكير في مراجعة مواقفهم.

الانتقائية والتناقض كانا واضحين في السلوك السياسي الأمريكي، ليس في سورية فحسب، بل في مصر أيضاً.. فقد صرحت المتحدثة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف، بعد اجتماع بوتين والسيسي في موسكو: (لا الولايات المتحدة، ولا الرئيس الروسي، يقرران من سيحكم مصر! فالقرار في هذا الشأن يعود للشعب المصري)! فأي عهر سياسي تمارسه الولايات المتحدة، حين تؤكد حق الشعب المصري في اختيار قادته.. وتطالب السوريين، في الوقت ذاته، تحت تهديد العدوان المسلح والحصار الجائر، بالتخلي عن هذا الحق، وتسليم بلادهم تحت عصا الطاعة الأمريكية، إلى نخب سياسية (معارضة) ترعرعت في أحضان الإمبريالية الأمريكية وحكام النفط.. وتقوم بحملة تدمير شامل لكل ما هو مضيء وخيّر في أرجاء سورية.

أما الموقف الروسي، فقد جاء على لسان وزير الخارجية لافروف، الذي وصف محاولات الأمريكيين وحلفائهم تفسير بنود جنيف 1 على أنها تفضي إلى تغيير النظام السوري ب(غير النزيهة)، وذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كلينتون) لم تُبْدِ حماساً لتطبيق بنود جنيف ،1 لأن المجموعات الإرهابية كانت تتقدم.. أما حالياً فمازال النظام السوري مستعداً لتنفيذ هذه البنود، رغم تحقيقه نجاحات ميدانية هامة، ورفض الوزير الروسي محاولات الغرب استغلال الأوضاع الإنسانية المتردية لشن هجوم على سورية من بوابة الإغاثة، وفق الفصل السابع.

تعثر جنيف 2 حرّض السوريين بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية على تفضيل الحوار السوري – السوري هنا في سورية، الحوار الذي دعونا إليه من بداية الأزمة.. هذا الحوار الذي يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية من أجل التوافق على إنهاء الأزمة السورية، وتحديد ملامح المستقبل السوري الديمقراطي العلماني المعادي للإمبريالية والصهيونية، والبدء في إعادة إعمار سورية وفق خطة حكومية تعتمد على الذات، ودون أحصنة طروادة.

المطلوب الآن الاستمرار في ملاحقة الإرهاب والإرهابيين في جميع الأراضي السورية، وتهيئة الأجواء لاستمرار عمليات المصالحة الوطنية عن طريق الانفتاح على المعارضة الوطنية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وحل المعضلات المعيشية التي تعانيها جماهيرنا الشعبية، تمهيداً لجمع كلمة السوريين.

ولذلك، فإن القوى اليسارية والوطنية والديمقراطية والعلمانية في سورية، مطالبة اليوم برصّ صفوفها والمبادرة إلى توحيد جهودها، وتبنّي الدعوة إلى الحوار الوطني، والحل السياسي في مواجهة النافخين بأبواق الحلول العسكرية.

آن لنزيف السوريين أن يتوقف، وآن الوقت للجم مخططات التصعيد الخارجي والتخريب الداخلي، وهذا، بجملة واحدة يعني:

اتخاذ ما يلزم، حتى لو كان صعباً بنظر البعض، لإعادة اللحمة إلى ما فرّقته الأزمة، والإرهاب، والمعاناة، وضيق الأفق، يعني العودة إلى الشعب أولاً وأخيراً!

العدد 1107 - 22/5/2024