الكلمة الطيبة.. فضاء من العدالة والحق

للكلمة سحرٌ وسرٌّ أقوى من كل المعجزات.. لذا كانت البداية والمبتدى.. لولاها لما تعارفت شعوب ولا قامت حضارات، ولولاها لما كانت هناك قوانين وشرائع وكتب سماوية.. والكلمة سرُّ ثقافات البشر ومرتكزها.. هي نورٌ يشعُّ بين الناس في كل زمان ومكان..

واعتباراً من الخلية الأولى- الأسرة- لا يمكن إلاّ أن تكون الكلمة الأداة الأساسية والهامة في مسيرة الحياة والتعامل بين أفرادها عبر حوارات لا تنتهي، حوارات تتسم بالاحترام وعدم استبداد الأهل بفرض آرائهم على الأبناء حتى لو كان هناك خلاف بالرأي، حوارات مؤلفة أساساً من عدد من الكلمات التي تعتبر الوسيلة الأولى للتواصل بدايةً مع الطفل الذي سيحمل نسغ والديه وثقافتهما (المتكلمين معه) وبقدر ما تكون هذه الكلمة رقيقة واضحة وطيّبة، تصل بسرعة إلى وعيه ويتقبّلها بلا أدنى معيقات.. وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال في علاقة الإنسان مع محيطه وكل الذين يلتقيهم سواء في الحي أو المدرسة أو مكان العمل، وكذلك في علاقته برؤسائه ومرؤوسيه، ما يجعل من ذلك لاحقاً مرتكزاً أساسياً لعلاقة المواطن مع حكومته التي يجب أن تتسم علاقتها بمواطنيها بالاحترام وتحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة والعدالة الاجتماعية، واحترام الرأي والرأي الآخر اعتماداً على مبدأ المواطنة الذي يفرضه الدستور.

لا شكّ أنه لا يمكن أن تجري الأمور بكل تلك الرومانسية أو البساطة التي نتوقعها، إذ لا بدّ من وجود خلافات واختلافات حتى في نطاق الأسرة الواحدة، بحكم اختلاف الأعمار والأفكار، وبحكم اختلاف الانتماءات والتيارات سواء في الدولة أو المجتمع، وهذا ما سينشأ عنه بالتأكيد ما يُعرف بالمعارضة.. مما يستدعي بالضرورة إيجاد سبل ووسائل مختلفة للتعرّف على الآخر وما يريده ويبتغيه.. ولعلّ الحوار المنطقي والعقلاني هو الوسيلة المُثلى للوصول إلى نتائج مرضية للطرفين قائمة على الاحترام المتبادل والمعرفة المنطقية.

وهذا يقودنا بالتأكيد إلى ما آلت إليه الأزمة السياسية وما جرّته من حرب على البلاد، وأنه لا سبيل لحلّ تلك الأزمة وإنهاء اندلاع نيران تلك الحرب التي أتت على كل مقومات الحياة والكرامة إلاّ عبر الحوار الجاد والبنّاء، حوار سوري- سوري بالتأكيد، وصولاً إلى صيغة متناغمة لإعادة بناء الإنسان والوطن

العدد 1105 - 01/5/2024