الوطن ليس ما نسكنه بل ما يسكننا!

نقف اليوم دون حراك.. أفواهنا جوفاء مفتوحة مصدومة.. ولكلٍّ منا عينان جاحظتان..

نعم، الشعب السوري يقف هكذا أمام المسرح العربيّ العالمي..!

بقينا هكذا نتفرّج على عرضهم المتقن، وبعد ذلك حوّلونا إلى دمىً اصطناعية تتحرّك دون تفكير بعدما ساهموا بتنويمنا مغناطيسياً وقاموا بإبعادنا عن السيناريو الذي يُخرجه الكبار ويمثّله الساسة الصغار مع الشعب (الكومابرس!)

دامت حالتنا هذه مئات السنين.. وتُكرر هذه المسرحية بعد  نهاية التي سبقتها فوراً. وبالرغم من ذلك لم نحفظ تلك المشاهد في ذاكرتنا، إضافة إلى أنهم مازالوا يعرفون كيف يقدمون لنا إغراءات جديدة لنشتري منهم تذاكر العرض وتبدأ بعد ذلك رحلة الانغماس بهم وبمخططاتهم! آخرها ما حدث في سورية منذ ما يقارب السنوات الخمس.

حيّك النص المُراد تمثيله وبدأ التنفيذ فوراً..

هرع الشعب في لحظة فجائية انتقل فيها من الهدوء إلى الفوضى ..فوضاهم!!

إذاً.. قامت القيامة عندنا في وقت مبكّر.. وبعد كلّ ما حدث من استفتاءات وجلسات انعقاد بين الدول.. للوصول إلى هدنة نفسية مع قدر الله المُيسر من قِبلهم.. رنّت في مسامعنا جملة:

(الوطن للجميع) رافقت هذه الجملة كلّ أحداث سورية الماضية، وكدنا أن نصدّقها لكثرة ما قالوها بإحساس مرهف وبملامح حزينة وبدراما فظيعة..!

نحن الشعب.. نحن من يقدر أن يكشف ما وراء الستار لأننا نعيش أحداث القصّة  التي يكتبون….

لا..! الوطن ليس للجميع..

قيل منذ فترة: سورية ليست لمن يحمل الجنسية السورية..، بل سورية لمن بقي فيها ولم يهاجر منها!!

ما هذا التناقض الحاد بين القولين؟؟

نعم، فلكي يكون لنا وطن يجب أن ندخل لعبتهم القذرة رغماً عنّا، نحارب أخانا أو أبانا.. وربما عائلتنا كلها..!

 لا يهمّ!!، المهم هو أن نعيش جوعاً وظلماً وقهراً داخل الوطن!

أو أن نموت شوقاً وغصّةً وحرقة قلب خارجه! وفي كلا الأمرين موت!!

الوطن للجميع..؟؟ وفعلياً هو لهم فقط!!

لنا نحن الشعب الماضي والتاريخ والمستقبل الذي سطّروه لنا!!  ولهم الحاضر بكلّ أقطاره ومساحاته.. بكلّ عماراته وأمواله بكلّ سياراته ورحلاته.. ولنا نحن بقاياهم!!

الوطن للجميع وأولادهم يسافرون ويسيحون ومتى يشاؤوا يعودون! وأولادنا يخرجون ويُحرمون من العودة لأنّ الوطن ليس للجميع كما قالوا!

الوطن ليس تراباً وليس حدوداً..لا مياه إقليمية ولا أنهار داخلية.. لا هضاب ولا حتّى بيوت!!!

الوطن قلبٌ داخل قلوبنا.. هذا هو بالضبط معنى الوطنية..

فالوطنية ليست لمن عاش في وطنه، بل للذي عاش طوال حياته خارجه وبقي الوطن يجري في دمه!

الوطنية ليست أن نموت على جبهاتهم ضدّ من لا نعرفهم ودون أن نجد يداً تمسح دمنا قبل دمعنا..!

الوطنية عندهم تبدأ من كروشهم وتنتهي عندها..!

وعندنا تبدأ من أول نفس في هذه الحياة إلى آخر نقطة دم تنزف من جرحنا..

يا سادة.. الوطن ليس للجميع، الوطن لكم والوطنية لنا..

فالوطن ليس ما نسكنه.. بل ما يسكننا..!!

العدد 1105 - 01/5/2024