الردّ آت!

مما لا شك فيه أن الغارة الإسرائيلية على مدينة القنيطرة مؤخراً، تأتي في سياق عمليات الاستفزاز والخروق التي تقوم بها إسرائيل بين الحين والآخر، مستغلة الحالة العربية المتردية وما يجري في بعض الدول العربية من أحداث عنف تقوم بها المجموعات الإرهابية المسلحة منذ نحو ما يقارب الأربع سنوات، لاسيما أن دعمها لهذه المجموعات أصبح علنياً في مختلف المجالات.

إلا أن توقيت العملية العدوانية يحمل العديد من المعاني والدلالات والأهداف المتوخاة منها، أهمها:

– إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو مقبل على انتخابات قريبة في شهر آذار من العام الجاري، وأراد من هذه العملية رفع مستوى شعبيته بين الناخبين، بعد أن تراجعت إلى حد كبير، إذ يعتقد أن هذه الانتخابات قد تحسّن وضعه وتعيده إلى رأس السلطة للإمساك بها لمرحلة قادمة، لاسيما أن نسبة كبيرة من التجمع الصهيوني الاستيطاني معادية للسلام، بل متعطشة للدماء باستمرار.

– لعل نتنياهو أراد من وراء هذه الغارة رفع معنويات جيشه الذي تؤكد مصادر عدة مطلعة أنه غير جاهز لأية حرب قد تشتعل في المنطقة، وخاصة مع المقاومة الوطنية اللبنانية التي هزمته أكثر من مرة، والتي تنامت قدراتها تنامياً لافتاً للنظر.

– دعم الإرهابيين الذين يقاتلون الجيش السوري ويعتدون على الأهالي الأبرياء في مناطق من الجولان، وإيجاد خط إطلاق نار جديد لصالح جبهة النصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية، ورفع الروح المعنوية المتدنية لعناصرها بسبب الضربات التي يوجهها الجيش السوري في الجولان وغيرها من المناطق السورية.

– محاولة المساهمة في إيجاد مناخات ملائمة للحيلولة دون الوصول إلى أي اتفاق حول ما يُسمى الملف النووي الإيراني، بحيث تبقى الأجواء متوترة بين الغرب وإيران، مع استمرار التحريض ضدها والدفع باتجاه مواجهة عسكرية بين الطرفين.

– التأكيد لبعض الأطراف العربية مثل السعودية وقطر وغيرها، أن إسرائيل قادرة على حمايتها من أي خطر (مزعوم) يتهددها، وبالتالي ما على هذه الأطراف إلا أن توطد علاقاتها مع إسرائيل، حتى وأن تخرجها إلى العلن لا أن تبقى سرية ومن وراء الستار.

– محاولة إقناع الإسرائيليين الذين يسكن أذهانهم هاجس الرعب والخوف من حزب الله، بأن إسرائيل قادرة على ضرب هذا الحزب في أي مكان وزمان، وأنها لا تأبه لتهديدات السيد حسن نصرالله، خاصة منها ما أوضحه في مقابلته الأخيرة مع قناة (الميادين)، حول إمكانات المقاومة وخططها الفعالة واستعداداتها الكبيرة للرد على أي عدوان إسرائيلي أو غير إسرائيلي، إذ إن الإسرائيليين باتوا يعرفون حق المعرفة أن سماحة السيد صادق في كل ما يقوله ويعلن عنه، وبالتالي فإن مقابلته الأخيرة مع قناة (الميادين) أثارت الرعب في الأوساط الإسرائيلية الرسمية منها والشعبية.

– محاولة خلط الأوراق في المنطقة من خلال التشويش على الحوار السوري المزمع عقده في موسكو هذه الأيام، وعلى بدء الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في لبنان، وكذلك التغطية على التحسن الميداني العسكري لصالح الجيش العربي السوري في مواجهته للمجموعات الإرهابية المسلحة، ذلك أن إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاءهما لا يروق لهم مثل هذا التحسن بعد أن قدموا ما قدموه من دعم عسكري ومالي لهذه المجموعات يفوق حد التصور.

هذه هي بعض المعاني والدلالات للغارة الإسرائيلية الأخيرة، وبعض الأهداف التي تكمن وراءها.

ولكن ما يلفت النظر في هذا الأمر هو التغطية الإعلامية الإسرائيلية لهذا الاعتداء الآثم، فقد غلب عليها طابع التوتر والقلق مما قد يحصل بعدها، وبالتحديد حول رد حزب الله على ذلك، مع إجماع وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن هذا الرد (آت) لا محالة، وأنه قد يكون موجعاً، سواء جاء سريعاً أو متأخراً بعض الشيء.

إضافة إلى ذلك، كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن حالة الهلع والقلق غير العادية التي تسيطر على سكان المستوطنات في الجولان والجليل، الأمر الذي اضطرت معه قيادات الجيش الإسرائيلي إلى بث رسائل طمأنة لهم، والطلب إليهم عدم مغادرة مستوطناتهم، لأن الجيش قادر على حمايتهم، حسب زعم هذه الرسائل.

بالتوازي مع ذلك حذرت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة حزب الله من محاولات الرد، ومما أسمته (استفزاز إسرائيل)، مدعية أن الحزب سيعرّض نفسه لخطر كبير، فيما لو قام بأية مغامرة رداً على الغارة الإسرائيلية، كما حذرت هذه المصادر نفسها من إطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات، زاعمة أن الرد عليها سيكون قاسياً ومؤلماً.

في سياق متصل أشار بعض المعلقين الإسرائيليين إلى أن الجيش الإسرائيلي يحاول أن يرسم خطاً أحمر للحزب (حزب الله)، وأن يربكه، وتساءل هذا المعلق: هل سيكون الرد في المنطقة الحدودية مع سورية أو داخل مزارع شبعا اللبنانية، وهل سيكون الرد واسعاً يتسبب في اندلاع حرب واسعة النطاق؟!

مراسل القناة الثانية روني دانيئيل تساءل أيضاً: أين سيكون رد نصرالله على الهجوم، وكيف؟ وأكد في الوقت نفسه أن هذا السؤال يشغل بال كل إسرائيلي في هذه اللحظات، وأن حزب الله لن يتحمل هذه الضربة، وسيبحث عن رد ما عليها.

أخيراً تجدر الإشارة إلى نقطة هامة وهي أن العملية العدوانية الإسرائيلية التي نفذتها مروحيات إسرائيلية لم تأت من باب المصادفة، بل هي عملية ناتجة عن عمل استخباراتي دقيق ومستمر قام على مراقبة الهدف وتعقبه.. بمعنى آخر هي حصيلة جهد عسكري أمني مدروس لعبت فيه المجموعات الإرهابية المسلحة من جبهة النصرة وغيرها دوراً كبيراً ومباشراً في التجسس وإيصال المعلومات للجيش الإسرائيلي في الوقت المناسب، لاسيما أن التعاون بين الطرفين أصبح شبه علني ومباشراً في شتى المجالات.

العدد 1105 - 01/5/2024