أكبر قاعة في بيتها قاعة الانتظار عن السعادة…ماذا لو كانت مجرد تهويمات فلاسفة؟!

1

في حوار مع الباحث الفرنسي غيوم موران، الذي قدّم سلسلة من المحاضرات عن السعادة حول العالم..سألته: ما الذي يؤكد أن ثمة وجود للسعادة حقاَ؟ ماذا لو كانت مجرد تهويمات فلاسفة، وحسب؟ فأجاب: لا أرى داعياً للبرهنة عليها، الإحساس بها دليل على وجودها، ولا تقل إنّ هذا الإحساس غير موجود، هو موجود بالتأكيد، حتى، وإن كان سطحياَ، ومدّته قصيرة، ذلك أنّ الرغبة بالسعادة موجودة قبل الفلسفة، فالفيلسوف يعاين تلك الرغبة في السعادة، هل هي مصطنعة، ماذا نرغب في العمق، ولماذا المرء يريد تلك السعادة بعينها..؟

وبالنسبة للتعريف الفلسفي، فقد اختلف الفلاسفة في تعريفها، منذ القديم، غير أنّ السعادة موجودة، رغم عدم الاتفاق على تعريفها، السعادة ليست خيراً في جملة خيرات، بل هي الخير المطلق والأسمى، من هنا فإنّ تعلق المرء بأمرٍ ما يكون لاعتقاده أنه يوفر له السعادة، وهي بالنسبة لـ(إبيقور) على سبيل المثال، اللذة، فيما (سنيك) يراها في الطمأنينة، ووجدها سقراط في الفضيلة، وأرسطو في إتمام الذات من خلالها، كانت النظرة إذاً إلى ماهية السعادة هي سبب هذا الاختلاف..

2

غاية متسلق الجبال أن يصل إلى القمة ليستمتع بأكبر قدر ممكن من المناظر، لكنه خلال صعوده إلى القمة، لا يمنع أبداً من التمتع بالمناظر التي يُشاهدها، حتى وإن لم يصل إلى القمة أبداً، بالنسبة للأشخاص التعساء، لا يعني أنهم سعداء بتعاستهم، بل هم يفضلون الشكوى على الشعور بالسعادة..!

ثمة حكاية تقول: إنّ فيلسوفاً كان يتجوّل في مقبرة؛ فلفت انتباهه أعمار الموتى المسجلة على شواهد القبور، وهي بالدقائق أو ربع ساعة، وأطولها كان نصف ساعة، وعندما سأل الفيلسوف حارس المقبرة عن سر الأعمار القصيرة لـ(النزلاء) أجابه الأخير: لأنّ الأهالي هنا يحسبون أعمار أبنائهم بعمر السعادة الذي عاشوه، فقال له الفيلسوف: إذاً سجلوا على شاهدة قبري من رحم أمي إلى القبر! ويذكر جلنار، (إنه لو بُني للسعادة بيت فأكبر قاعة فيه هي قاعة الانتظار!). يشبّه أفلاطون الرغبة بحيوان له ألف رأس، كنايةَ لكثرة الرغبات لدى المرء، رغم كثرة الرغبات هذه، فإن مآلها في النهاية هو الحصول على السعادة، ذلك أن كل إنسان في هذا الكون راغبٌ فيها..

3

حتى من يتصوّف يقصد سعادة ما، وكذلك الذين يقدمون على الانتحار، ينشدون السعادة، لكن أن نصل إلى السعادة عن طريق تعذيب الذات أي (المازوشية) فهذا في نظري تناقض محزن، هي لذة خاطئة، وليس بالضرورة أن يصل المازوشي إلى السعادة، وحسب سيبنوزا فالمازوشية هي الشغف المحزن، أو متعة حزينة، ذلك أنّ طرق الوصول مختلفة حسب طبيعة كل شخص..!

لكن هل يمكن الشعور بالسعادة دون المرور بالشقاء والألم؟ بالعودة لرأي غيوم يقول: ربما هذا الأمر من أحد مآسي السعادة، فحتى نشعر بها أو نعرف كنهها، لابد أن نقاسي عكسها، فالمريض بالتأكيد يحس بالسعادة عندما يشفى، يرى شوبنهاور أنّ السعادة تتأكد بانتفاء عكسها، ويضيف أيضاً أنّ التأمل بهذه النقطة لا يمكن تجاوزها، أرى أنّ الألم هنا متمم للسعادة، والسؤال الذي يطرح: كيف نشعر بالسعادة دون السبب الذي قادنا إليها، كيف نشعر بالسعادة دون أن نعيش عكسها..؟

العدد 1105 - 01/5/2024