أجنحة الحرب

تركزت أنظار الإمبرياليين الجشعة مرة أخرى على سورية.. عبرت دبابات تركية مدعومة بطائرات حربية أمريكية الحدود بزعم إخراج (داعش) من بلدة جرابلس السورية، وفي غضون ذلك حذر الجنرال الأمريكي، الذي يقود عمليات الولايات المتحدة في العراق وسورية، القوة الجوية السورية والروسية من الاقتراب من الميليشيا الكردية التي تسيطر على أجزاء من شمال البلد بمشاركة قوات خاصة ومستشارين عسكريين أمريكيين.

تزعم كل من تركيا والولايات المتحدة أنهما تتحركان فقط لإخراج داعش. يقول الأمريكيون إنهم يساعدون أصدقاءهم الجدد الأكراد، أما الأتراك فمصممون على تحطيمهم إلى جانب داعش الذي كان يتلقى حتى وقت قريب مساعدة عسكرية ومالية من الأمريكيين والأتراك.

لا أحد يعتقد حقاً أن الأمريكيين والأتراك يهمهم خير العصابات السورية التي تقاتل الحكومة السورية.. القاسم المشترك بينهم هو ببساطة الرغبة في وضع براثنهم الجشعة على أرض سورية وخيراتها، عندما (تُزاح) الحكومة السورية ويُقسم البلد على الطريقة الليبية إلى دويلات طائفية إقطاعية تابعة لواشنطن وخدمها المحليين في المنطقة.

كان هذا على الأقل الحلم في أروقة السلطة في واشنطن وأنقرة في الأعوام الخمسة الماضية، ولكنه حلم أُحبط نتيجة المقاومة الشعبية لحكومة الجبهة الشعبية بقيادة بعثية وجهود حلفاء سورية: حزب الله المقاوم اللبناني وجمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي.. إنه حلم يتحول إلى كابوس في واشنطن مع ورود أنباء عن أن الصين الشعبية تزيد مساعدتها العسكرية لدمشق، وسط تقارير تقول إن بكين تفكر بإرسال قواتها للانضمام إلى الصراع إلى جانب الحكومة الشرعية في سورية.

من الواضح أن إدارة أوباما وهي على وشك التقاعد، لن تفعل شيئاً دراماتيكياً يمكن أن يعرض للخطر فرص هيلاري كلينتون في سباق الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم.. ومع توقع فوز السيد كلينتون إلا أن هذه ليست نتيجة محتومة. المؤكد أنها تؤيد (تغيير الحكومة) في سورية، وأنها ستباشر مسعى عدوانياً جديداً لـ(الإطاحة) بالحكومة السورية حالما تجلس في المكتب البيضاوي.. لذلك فإن استراتيجية الإمبريالية الأمريكية الآن هي ببساطة محاولة ضمان احتفاظ الإرهابيين السوريين المأجورين من قبل الإمبريالية، برقعة في حلب جاهزة للظهور كبديل (معتدل) للحكومة السورية عندما تصبح السيدة كلينتون في البيت الأبيض.

أنشأ الأكراد السوريون (اتحاد سورية الشمالية- روجافا) في تشرين الثاني 2013. يدير (روجافا) إلى حد كبير حزب العمال الكردستاني الذي يقود المقاومة الكردية في تركيا، وكان حتى عهد قريب مدعوماً من قبل السلطات المركزية السورية، وعمل الكوماندوز السوري مع وحدات حماية الشعب الكردية، ولكن موافقتها على السماح لقوات خاصة أمريكية الدخول إلى منطقتها للمساعدة في قتال داعش أضر بالعلاقات مع الحكومة المركزية. شجع الأمريكيون الأكراد تشجيعاً واضحاً على تبني موقف انعزالي تجاه دمشق، ما أدى إلى صدامات مسلحة بين وحدات حماية الشعب والجيش العربي السوري.

(الحيطة مطلوبة إذا أردت أن تتعشى مع الشيطان)، كما اكتشف معمر القذافي بعد وقت قصير من إعادة التقارب- ذلك الخيار السيئ- مع الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة، أصبح داعش بوضوح مستهلكاً في عام 2014 عندما سيطرت قواته على العراق المركزي وأعلنت خلافة مستقلة في العراق وسورية، وعلى نحو مماثل قد يكتشف الأكراد السوريون المعنى الحقيقي للاستهلاك عندما لن يعود لهم نفع للإمبريالية في المستقبل غير البعيد.

العدد 1105 - 01/5/2024