البيان الانتخابي يتجمَّل بالأقنعة!

 يُحكى أن غراباً، كان يحمل بمنقاره طعاماً وهو على غصن الشجرة، وكالعادة لا بدّ من مرور الثعلب المكّار، الذي بالطبع سيحتال للاستيلاء على طعام الغراب، فباغته بالسؤال: هل أنا جميل أيها الغراب؟ قال الغراب:لا، فسقط الطعام من منقاره عندما فتحه ليقول لا، ومازال محتاراً ويسأل: هل كان الطعام سيبقى في فمه لو قال نعم؟

قُبيل ممارسة حقنا الانتخابي، نتوخّى أمرين اثنين، أولهما أن تكون لكلمة (نعم، أو لا) التي نقولها، كل الاحترام لدى الجهات التي تسألنا أن نعطي رأينا وندلي بصوتنا في صناديق الاقتراع، وثانيهما أن يحترم المرشح الذي قلنا له نعم بيانه الانتخابي، الذي وافقنا عليه بكلمة نعم، وأن يحافظ على سلوكه الذي انتخبناه لأجله.

عملية الانتخاب والاقتراع، هي بالطبع استحقاق وطني ودستوري، وحق للمواطن وواجب عليه، عليه أن يمارسه بكل حرية وديمقراطية، وتعبير عن الذات، لا بضغوط خارجة عن إرادته، كالضغط العشائري أو الديني أو الطائفي، أو ضغط المتنفذين من أصحاب القرار، ولكن لا مشكلة في أن يلتزم الناخب المنتمي إلى حزب سياسي وطني وليس طائفي أو عرقي، بقرارات حزبه الذي يختار المرشحين بالتصويت الداخلي لترشيحهم إلى الاقتراع العام، لتولي المناصب العامة في الدولة.

الانتخابات على المستويات كافة هي عملية ممارسة الديموقراطية والحرية الشخصية والعامة في اختيار المواطنين لمن يرون فيهم الكفاءة التامة بكل الشروط والمواصفات، لتمثيلهم في المناصب التي يتنافس علها العديد من المرشحين.

 الحرية في الرأي وفي الانتخاب هي المطلب الإنساني الأول الذي تكلمت عنه أغلب الأبحاث الفلسفية والاجتماعية والسياسية، منذ بدء تاريخ تنظيم الحياة البشرية.

يفقد المواطن الاهتمام بممارسة واجبه الانتخابي، عندما يشعر بأن السلطات المنظمة للاقتراع، تتلاعب بالعملية الانتخابية، فيصيبه النفور منها لمعرفته المسبقة بأنه لا قيمة لرأيه ولا لصوته، فيتعامل مع العملية الانتخابية بلا ثقة ولا اهتمام.

 الناخب الحقيقي غير المسيس وغير المتوخي سوى المنفعة الوطنية العامة، يخشى دائماً من المرشّح الذي يستخدم الأقنعة وملامح النفاق، كأسلوب دعاية لبيانه الانتخابي، النفاق الذي يجعل الشخص يبدو بغير ما هو عليه، باستخدام أقنعة تجميلية متعددة الأشكال والألوان.

يميل أغلب المرشحين للمناصب العامة، إلى الاستعانة بأسلوب النفاق وتمثيل الأدوار المخالفة لحقيقتهم، ببراعة تجعل الناخب مقتنعاً بهم تماماً، ثم تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

قبيل كل عملية انتخاب واقتراع، يدور الحديث حول النفاق والمراوغة، النفاق الذي هو عدو الجميع، هو الخطر على المصالح العامة والخاصة، الذي يسبب الخراب في مكان وجوده، هذا النفاق يجعل المواطن الناخب يفكر كثيراً في نزاهة المرشحين، ونزاهة العملية الانتخابية بالكامل.

عندما يريد الناخب ممارسة واجبه الانتخابي، كثيراً ما نجده لا يشعر بالحرج، أن يعلن عدم تصديقه لصحة عملية الاقتراع، إن كان يعرف مسبقاً أن المرشحين الذي سيدلي بصوته من أجل فوزهم بالمناصب، لن يكونوا أفضل ممن سبقوهم، وكانوا أداة تخريب لا أداة تنمية في هذا الوطن.

تكثر الأقنعة ويكثر الغموض والنفاق والرياء دائماً قبيل كل انتخابات، ومن حق المواطن الناخب أن يكون كل شيء واضحاً أمامه، ومن حقه أن يعرف مع من سيتعامل في إدارة المصالح العامة في الأيام القادمة بعد فوز المرشحين بنتائج الانتخابات، وعندما يعرف ذلك حقيقة ودون مواربة، يستطيع أن يمارس واجبه الانتخابي دون حرج، على قاعدة الوضوح والشفافية والمعرفة التي هي من حق المواطن، لتصبح عملية الاقتراع واجبة عليه.

قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، يسعى المواطن لتعزيز إنسانيته في التعامل مع الأشخاص الذين انتخبهم لتمثيله في القضايا العامة، لا أن يتبعهم إلى النفاق والتمثيل والخداع.

أريد من المرشح للمنصب أن يكون ممثلاً لي، لا أن يكون ممثلا عليَّ.

العدد 1104 - 24/4/2024