هاتوا لنا «بَلَمْ»… فقد أوشكنا على الغرق!

 مذ حاولوا اقتلاع شمسنا من السماء وإسقاطها عنوةً، لم يكن على محيط الدم إلاّ أن يتلقاها ويغمسها في جوفه، ليحلّق بعدئذ الظلام فوق رأس الوطن، وتتشقق السماء لينهمر من بين أصابعها نيازك تحرق كلّ ما تسقط عليه وتُسكِنَ الهلع في قلوب كلّ ما في دربها حتى الحجارة ! لتصبح الحُفر بيوتهم الأبدية، والتراب المُعجونِ بالدم لحافهم الدافئ.

تهبط الأبنية معانقة الأرض، ويفوح غيث الدموع وصرخات الخوف من كل مكان!

سورية.. منذ خمسة أعوام وهي تُنازع في ذاك المستنقع النتن، يرمون لها القوارب المطاطية (البَلَم) لعلها تنتشلها من غرقها الأحمر، لكن تلك الرصاصة التي غدرتها ثقبت القارب فيها فقلبتها رأساً على عقب، وحلّ محلّ أوكسجينها هواءٌ محروق، هواء أسود لدخان يحترق فيه كل سوري، وكل من كان من اللاجئين _طالبي الإنسانية_ على ظهر ذاك البلم نازعوا.. منهم حمص، وحماة، دير الزور، والحسكة، الرقة، تدمر، إدلب، دمشق، درعا والسويداء..  أما حلب فقد تنشّقت آخر نفسٍ حرٍّ لها وبعد ذلك غرقت!

خطفوا منها شبابها.. فشاخت في ريعانها، قطفوا منها زهر عمرها، وكل من اغتُصبِت أمامه وطنيته، لم يكن معارضاً ولا موالياً، كان مجرّد فقير فضّل الموت تحت انهدامات بيته، رائحة القذائف في أنفه وطعم الذلّ في فمه وبقع الدمّ لطّخت جدران ذاكرته، فكان الموت مضغاً بين فكّي المتوسط!….كلّ ذنبه أنه لا يملك 1000دولار ثمن بَلَم على هيئة جسر، وحوافه مجموعة من أمل تطلّع إلى تلك الضفة التي باتت حلم كل سوري اغتُصب الأمان أمام عينيه.

بغضّ النظر عن زوجته وأمه وأخته وكرامته!

ذاك الذي اغتصب سورية رغماً عن وطنيتنا، وتلذّذ بتقطيع جسدها أشلاء متناثرة..!

ومن أدخل فيروس الإيدز إلى أحشائها ليتبعثر في كل أرجاء الوطن ويدمّر كل مسبّبات الحياة، ويفتك بالأكباد وبالقلوب دون تأنيب ضمير.!

ستّ سنين لم نعرف كيف نتعاون لننقذها من الموت، بل كل يوم نتعلم فيه كيف نذبح أوردة بعضنا، ونفتك بمعالم الأخوّة بيننا، ولم نفلح بطريقة نستطيع بها أن ننقذ أنفسنا من التلاشي في حوض الدم ذاك!

غصَّ العالم بالسوريين الذين هربوا من القذائف والدمار..

وشيّع كل أب سوري جنازة دفتر عائلته بعدما صار أفراده أشلاءً متناثرة في بقاع الأرض ككل الشظايا من حوله! وركع على ركبتيه باكياً مناجياً تلك السّماء، علّها توقف ذاك المطر المحمّل بروائح الدم، أو علّ تلك القذائف تموت في سمائها قبل أن تهبط على رؤوس الجميع.

يناجيهم.. فلعلّهم يتركون لنا معابدنا وكنائسنا وجوامعنا لنشكوهم لله فيها!

تمر السنون ونحن ننتظر يد عون جاءتنا لتمتد على أعناقنا، تسحب منّا ما تبقّى من نَفَس. لكن كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بدّ أن يستجيب القدر

سورية الوطن الذي لن يموت إلاّ ليولد من جديد أقوى وأكثر عنفواناً وكرامة. ..فيد الله أكبر من يدهم!..

العدد 1107 - 22/5/2024