حشـو مدرسي ومستقبل غير مبشر!

 ها قد صدرت النتائج – والحمد لله-  وكلٌّ دخل فرعاً، أو أعاد عامه الدراسي لأنه رسب! وتستقبل الأكاديمية بعدها آلاف الطلاب الجدد الجيد فيهم والسيئ، الأحمق والمتميّز! لكن يا ترى ما الذي أوصل الطالب الأحمق إلى هذه المرحلة إذا كان بالفعل أحمق!؟ وما الذي ساعده للوصول إلى هذا المكان غير المناسب لوضعه الفكري ومستواه الثقافي والعلمي؟ كيف لطالب نجح بالغشّ أن يفلح في جامعته ويكون فاعلاً في المستقبل؟

لندخل في الموضوع..

تلك القاعة الكبيرة تضمُّ كثيراً من الطلاب الحاملين دراستهم وليالي سهرهم على ظهورهم مثقلين بها وحالمين بتلك الشهادة! يُزيّنها مراقبون(حادّين وجادّين) ينتظرون أحد الطلاب (ليزني) بالامتحان ويرتكب (فحشاء) الغش لتُبرم بحقه أقسى لعقوبات! بالطبع ذاك الاختبار (الأمني) نجح جداً، ودليل ذلك أنّ الأرض مفروشة لحظة خلوّ القاعة (بروشيتات) الطلاب المليئة بالمعلومات!

يا له من انضباط!

يا تُرى، أولئك الأساتذة الماهرون بالمراقبة، هل حاولوا تذكّر كيف كانوا عندما مرّوا بهذه المرحلة، أم أنهم لم يسألوا أنفسهم ما حاجة الطلاب لهذا الغش؟ هل المشكلة بالمعلومات التي تغصّ بها المناهج الدراسية أم أن الطالب يفيض عنه الغباء!؟ من خلال استطلاعي لآراء طلاب شهادة الثانوية(البكالوريا)عرفت ما يلي:

(ع.ح) طالب علمي: الرياضيات أزمة كل طالب، فكثافة المنهاج لا تتناسب طرداً مع الوقت والحصص الموضوعة لإعطاء كامل المنهاج خلال العام، ثمّ إن الطالب لن يفهم ما يدرسه بشكل سليم، ودماغه لا يقوى على فهم أو حفظ كل ذاك الكمّ الكبير من المعلومات دون أن يلجأ(للترشيت)! إضافة إلى التعقيد بالمنهاج كمادة العلوم، واسترسل: إنّ ضياع مستقبل الطالب بها متوقف على الغلط بكلمة واحدة لأنها دقيقة جداً.

أما طالب الأدبي(ن. س): فاعتبر أن الجغرافيا تُشكّل العقدة النفسية لطلاب الأدبي، فالحفر الكامنة بتضاريس كتابه جمعاء تشكل أضعاف أقطار تلك الحفرة المصيرية التي ينازع فيها(البكالوريا) خوفاً من الغرق ليجدّف فيها غائصاً برحلة اكتشاف أنواع الترب! وما شأن طالب كل همه نجاح بتلك الماعز التي أكلت زهرة شبابه وهو يدرس أنواعها وأين تعيش!

أما عن ذاك التاريخ المكلل بالانكسارات فما ذنبي أنا الطالب لأتوجع كلما رأيت صور أهل فلسطين ومذبحاتهم وتمزيق أمّتنا بالشوكة والسكين برضاً منّا وأمام أعيننا، لأسمع أنين روحي عندما تفوح رائحة الدم من كلّ جملة تخصّ وطني..!

وبالانتقال آخراً إلى ما اتفق عليه الفرعان، فالقومية ليست إلاّ عبارة عن حشد كبير من المعلومات التي لم تفلح إلا بعجن ذهن الطالب-  أكثر ما هو معجون!-

والخلاصة تكمن في الديانة.. فما زالت مناهجنا مصرّة على تعزيز الطائفية في نفوسنا عندما ندرس الديانة على أنها مادة تفلح برسوبك وعليك دراستها فقط لأجل النجاح لا من أجل الإيمان وحبّ الله! فكيف للطالب أن يحبّ مادة تُنشَل علامتها من معدّل هو بأمس الحاجة ليراه عالياً!

في شتّى الأحوال، ها هو ذا الطالب يعاود معاناته في الجامعة.. لكن السؤال هل ما زال الغش و(الترشيت) الوسيلة الوحيدة لصعود الطالب ذاك الدرج من الأولى للأخيرة دفعة واحدة!،أم أنّ هناك طرقاً أخرى؟ من خلال استكشافي، لاحظت أن الكثير من الطلاب يبحثون عن الطرق السهلة للوصول إلى مبتغاهم كما الكثير من الناس!

فمنهم من أخذ طريقاً سهلاً وشريفاً –  إذا صحّ القول-  عبر اللجوء للنوتات والبحوث الجاهزة التي صارت تستغلّ ضعفهم هذا، وتكويهم بغلاء أسعارها، ولم يأبهوا لذلك مقابل أن يخفّ عليهم عناء الضغط الدراسيّ. ومنهم من لجأ للوساطة أو الدفع المالي مقابل ترفيع لإحدى المواد(النجاح بها) فقد قال من استفسرت منه عن الموضوع(ق.س):

هناك من يدفع لدائرة الامتحانات عن معظم المواد كي ينجح بها، وفي المواد المؤتمتة يؤخذ غالباً على السؤال 1000 ل.س أي 50ألف ل.س على 50 سؤالاً – يا له من طريق مخجل! ….أما الطريق الأصعب قليلاً فهو طريق عاهر! طريق الكل يكذّبه لأنه ينافي الأخلاق، لكنه موجود بشكل مستتر نوعاً ما..

كما أخبرتني إحدى الطالبات، فإن بعض الفتيات يقدمن عروضاً مغرية(جسدية)حسب استطاعة كلّ منهن لأحد الدكاترة، أو لأي أحد باستطاعته رفع علامة المادة من الرسوب للنجاح بهذه الطريقة الرخيصة! سؤالي هو: إن لم يكن العلم أخلاقاً فلِمَ يتعلم هؤلاء إذاً؟

وإذا كان باستطاعتهم إكمال حياتهم بهذه السهولة دون عناء فما حاجتهم للشهادة إذاً؟ وللدكاترة الذين يقبلون هذه الأساليب: ما هذا المستوى الدنيء الذي يضعون أنفسهم فيه، لتصبح الكليات بسبب استهتارهم عبارة عن سوق سوداء على عينك يا تاجر!

فهل يليق هذا الوضع بصروحنا العلمية التي كانت تُعدُّ متميّزة إلى حدٍّ ما..؟

العدد 1105 - 01/5/2024