بوح ناي.. ولهفة عاشق

(نحن الطريق.. وألف أهلاً بالخطوب الحالكات)!

 

 لا ناي هنا ولا قصب.. هنا العشق شلال ينهمر! نعم من فيض قدس الفجر ينسكب.. على ترانيم همس هفهفات الضوء تفتقت الكلمات بوحاً، فهل غير العشق للشآم ينكتب؟ تبكي الصباحات لا ناي ولا قصب، وقد طاب لنا زمن كنا نعانقه والفجر يعانق فينا الحياة ولا يتعب الوجد.. نبهتني الشمس إلى أمر كنت أجهله، أن الورد الجوري استمد لونه من لون الغروب.. وصار أحمر قانياً ملتهباً! يتفتق عن حزن وعن صبر وعن أحلام لا تنضب! نهر من الوجع على ضفتي بردى يجري.. هناك: تركنا الضحكات على هفهفات الفجر معلقة.. قناديل أسئلة شوكها لوم وعتب.. يا إلهي: تغيرت ملامح الورد.. وتغيرت البسمات والضحكات، وتغيرت وجوه الرفاق والصحب، ما الذي جرى؟ حتى صارت أسئلتي شوكاً، وصارت وجوه الناس من حولي سوداً مقنعة، خفافيش الليل يريدون خراب حياتنا، ملاعب طفولتنا، ولقاءاتنا! يشعلون الحرائق في كل مكان، حتى تأجلت مواعيدنا وسهراتنا في مقاهي الشام القديمة، تاريخ من اللقاءات والذكريات سرقوها! سقطت الأقنعة وعناوين الحوارات.

نافقوا وتوهموا وكذبوا

في الشام: كنا نلتقي ولهفات الوجد مشتعلة بالمحبة، وجمرات العشق لا تنطفئ.. شوق هنا زرعناه ورداً ورياحين.. ومحبرة من الإبداع والكلمات والرؤى عن سر الإنسانية تتجمع! يا صاحب المقهى الذي كان لنا دار حوار.. ولقاء.. وأسئلة وأشواق.. وعتب! هنا كتبنا: أشواقاً وقصصاً عن الشام! كم: تلاقينا وحكينا، وكم.. وكم.. أسقيتنا خمراً من عناقيد تجمعت في دن معتقة.. بوحي وجع وآهات وعتب على الزمان والناس.. يا صاحب المقهى.. ليل فراقنا طال.. أسرار بوح وعتب وقلق! يبدو أن الذكريات تحولت وجعاً في البال.. ولهفة الطيب صارت لنار الحقد والتكفير (في عرف هؤلاء) حطباً؟ والظلمة طغت على فجر محبتنا أسفاً على اللقاءات، وعاصفات الريح تحاول جاهدة محو ماضينا، وقلع حاضرنا، وتخريب مستقبل الأجيال؟ كأنها تشعل في هشيم التكفير والإلحاد خشباً.

عتبي على الذين يقرؤون في التاريخ وفلسفة الأمكنة، ويكتبون في الثقافة مجلدات وقصائد وأغاني وينشرون على الناس (الكتب)؟ عتبي على الذين يمتهنون: العهر والتكفير والتجهيل ديناً وأسلمة وقد لوثتهم يا للأسف ثقافة السكين والساطور والنفط؟ يحرقون بالإرهاب جمال طبيعة سورية، يخربون الصباحات ويقتلون الورد والياسمين.. يخربون كل شيء: مواعيدنا التي أخذتها ريح عاصفتهم الهوجاء.. عاصفة من الغبار اجتاحت فرحنا الذي كان عنوان الدنيا بجهاتها الأربع؟ وتبقى سورية لا تتعب ولا تمل ولا تغيب شمسها أبداً. ظمآن قلبي إلى المواعيد في الشام في مقاهيها وحاراتها.. مشتاق لبيوتها التي يسكنها التاريخ! مشتاق لضفتي بردى.. يا للهفات التي لا يباح بها عصية على البوح مفردتي! ظمآن.. ظمآن شوقي جمر متقد.. لفيض الياسمين فجر من البياض لوجهك (دمشق)، ينابيع المحبة من هنا فيض تسلسلها.. لسورية وحدها أبجدية الحب من لهفة عشقي..

العدد 1105 - 01/5/2024