فتيات سورية أمام خيارات موجعة

 إن الحرب العبثية والمجنونة الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات قد اغتالت جميع أطياف الحياة السوية والطبيعية لدى الجميع بلا استثناء، والتهمت نيرانها أحلام الشباب وطموحاتهم وآمالهم في بناء حياة مستقرّة وآمنة، وأخذتهم باتجاهات ومسارات لا تناسبهم ولا تليق بتطلعاتهم وراؤهم، فمنهم من التهمت الخدمة الإلزامية أحلى سنوات العمر والاستعداد لمستقبل كان مفعماً بالخطط والبرامج سواء على مستوى العمل أو الدراسة أو الزواج، ومنهم من هاجر كي ينال بعضاً من هذا، ومنهم من قُتل أو اختُطِف أو اعتُقِل أو التحق بركاب أحد أطراف المتحاربة … الخ.

وبهذا نجد أن المجتمع قد خسر عدداً ليس بالقليل من شبابه الذكور، مما خلخل لوحة الحياة ومفاهيمها وقيمها، وانعدم التوازن في معادلة الجنسين اللذين يُشكلان معاً جناحا الحياة التي لا يمكن أن تُحلّق بجناح واحد بينما الآخر مهيض ومُهشّم، إذ بقيت الفتيات على مفترق طرق كلها وعرة وشائكة وموجعة بالقدر ذاته والوقت نفسه، لاسيما فيما يخص الزواج الذي بات لهنّ إمّا مجرد حلمٍ قصيّ وبعيد المنال وفق رؤاهن والأحلام التي كانت متشبثة بتفكيرهن، لأنهنّ في مواجهة واقع مرير يجعل غالبيتهن في دائرة الإعالة لأسرة فقدت معيلها فلا يسمح لها وضعها بالزواج، أو إنها مضطرة لخيارات أشدّ فظاعة ومرارة تجعلها إمّا أن تقبل برجل يكبرها بأعوام قد تصل للضعف، أو أن تقبل برجل لا يناسبها فكرياً وثقافياً وحتى اجتماعياً، أو أن تتزوج عن طريق الصورة والنت دون معرفة واقعية وتوافق حقيقي، أو أنها تقبل أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة ورابعة، وإمّا ستقبع في خانة العنوسة التي ارتفعت نسبتها في سورية بعد الحرب نتيجة لكل ما ذُكر.

وبهذا الصدد، فقد صرّح القاضي الشرعي الأول بدمشق أن 50% من عقود الزواج في سورية تمّت بالوكالة، وأن نسبة عقود تثبيت الزواج في المحكمة لأزواج يتزوجون مرة ثانية أو ثالثة بلغت أكثر من40% في وقت كانت لا تتجاوز 10%. وأضاف أن المحكمة الشرعية لم تعد تدقق في مسألة الزواج الثاني، وذلك بأن يكون الزوج قادراً على هذا الزواج أو غير قادر بحكم انخفاض نسبة الشباب في الظروف الراهنة وارتفاع نسبة الفتيات، وبالتالي فإنه لابدّ من مراعاة الظروف الراهنة التي تمرُّ بها البلاد. وهذا ما سيُفضي لاحقاً إلى زواج غالباً ما سيكون مشوّهاً ومفعماً بالمشاكل الناجمة إمّا عن سوء التوافق على مختلف المستويات، أو ضعف إمكانيات الزوج المادية وما شابه، وبالتالي سيكون المجتمع السوري في مواجهة معضلات وأمراض اجتماعية ونفسية عميقة تحتاج إلى زمنٍ ليس بالقليل كي يجري تجاوزها، وبالتالي سيكون مستقبل الأسرة السورية في خطر يحتاج من المعنيين إلى إمعان النظر وإيجاد الحلول المناسبة لمختلف الظواهر السلبية المتعلّقة بالأسرة، وتحديداً مستقبل الشباب الغامض والقَلِق.

العدد 1107 - 22/5/2024