الدلالة والمعنى

مثلما يحمل الجبل الأشجار العالية، والصخور الصلدة، يحمل أيضاً العشب الطري والتراب الناعم والحصى الخفيف.. كذلك هي الأشجار، تحمل الثمر المرّ والثمر الحلو، وقد نجد فوق الشجرة ذاتها أغصاناً يابسة وأغصاناً خُضراً، وهي نفسها تواجه النسيم العليل والعواصف العاتية.

إن في الحياة أشياء وأحياء كثيرة، ومتنوعة.. تحمل دلالات ومعاني عديدة، فنفس الشيء يكون له أكثر من معنى، وأبعد من المكان والزمان الذي يوجد فيه.

ألا نرى كيف أن الأرض تُنبت الحلو والمر، الضار والنافع، الشوك والورد، والكبير والصغير، وهي ذاتها يُدفن في ترابها الغني والفقير، والقائد والجندي، والجبان والشجاع، والكريم والبخيل، والمهزوم والمنتصر.

والشمس واحدة، إنما الذين يستقبلون ضوءها كثر، ولهم أهداف وغايات غير معروفة، وغير محددة، إنها نور ونار، نور في يد العارفين ونار على الجهلة والسفهاء وقليلي العقل.

إن قيمة الشيء في استخدامه.. قد يرتفع وقد ينخفض قد يغلو وقد يرخص..

فالسيف في يد الجبان يختلف عن السيف في يد البطل الشجاع، وإن كان السيف ذاته مصنوعاً من الفولاذ والذهب، فذلك لا يجعل من الأصابع التي تمسكه فولاذية ومذهبة.

والألماس في معصم الشريف غير الألماس في معصم اللصوص، والقلم في يد الحر لا يقارن بذاك الذي في يد المنافق أو العبد.

إن الخناجر الجيدة لا يجوز أن يلعب بها الصغار، كما أن الألغام القوية لا يصح أن توضع بين أيادي الجهلة، فالسم الذي يقتل، هو ذاته قد يتحول إلى دواء في يد المبدع العارف، والعالم الخبير.

والكلام الجيد والسيئ، اللئيم والطيب نجده يخرج من مكان  واحد، إنما وقوعه على آذان الآخرين يختلف كاختلاف الحطب اليابس عن الأغصان الخضراء.

والبحر ذاته يسبح فيه القاتل والمقتول، والصغير والكبير، وقد يلجه سفن عملاقة وزوارق ضئيلة الحجم، رخيصة بمن تحمله في جوفها.

والعطر نفسه يضعه القبيح والجميل، مثلما الوردة ذاتها تُحمَل إلى القبر وتُرسَل إلى الأعراس، وفوق الحصان نفسه قد نرى المنتصر والمنهزم، والخائن والشريف. وداخل القلعة الواحدة قد يعيش الخدم والملوك، والقادة والجنود.

والجسد ذاته يسكنه مشاعر متنوعة، وأحياناً متناقضة، كذلك هو القلب الكبير الذي يتشابه مع جميع القلوب من حيث الشكل، لكن ما يحمله من نبل مشاعر وطيب أخلاق وأحاسيس صادقة يختلف عن كل قلب.

كما أن الأرض التي يدفن فيها الأموات، والجثث والنفايات، هي أيضاً ستخرج لنا ذات يوم أحياء ووروداً كانت قد خبأتهم لنا منذ زمن بعيد، فالبذرة ستصبح شجرة، والموجة ستقوى وتتحد مع غيرها لتكوّن عاصفة، والجمرة بركاناً، والرجفة زلزالاً وأعاصير.

إن ما يجعل الحياة جميلة وعميقة الأبعاد ليس عدد السنوات التي تمدّنا بها، بل ماذا سنفعل في تلك السنوات الطويلة، فمنهم من يصرفها في اللعب واللهو والمجون، ومنهم من يخاف عليها فيتعامل معها تعامله مع عينه، ومخافته على نورها من الانطفاء.

العدد 1105 - 01/5/2024