88 عاماً والمسيرة مستمرة

نشأ الحزب الشيوعي السوري في تربة وطنية نضجت فيها مهمات النضال الوطني التحرري، المندمجة مع مهمات النضال من أجل العدالة الاجتماعية.

وانعكس ذلك واضحاً في بروز النزعات الاشتراكية لدى مثقفين بارزين في حركة التحرر الوطني العربية، ومحاولات بعضهم وضع برامج لأحزاب اشتراكية. وأدى انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا، وفضحها لاتفاقيات سايكس  بيكو ودعوتها عمال العالم والشعوب المضطهدة للاتحاد – إلى انتشار الكتابات عن البلاشفة والأممية الشيوعية في بعض الصحف العربية، وظهور الحلقات الماركسية في عدد من المناطق السورية منذ بدايات العشرينيات من القرن العشرين. إن هذه التطورات الملموسة في التربة الوطنية لنشوء الحزب أدت إلى أن أصبح ظهور حزب شيوعي ضرورة موضوعية، أفرزت حاملها السياسي والفكري: الحزب الشيوعي السوري.

 ففي 24 تشرين الأول عام 1924 اجتمع في ضاحية الحدث مجموعة من المثقفين والعمال، بهدف تأسيس حزب شيوعي. وافق على التأسيس الرفاق: يوسف إبراهيم يزبك (مثقف كادح)، فؤاد الشمالي (عامل)، فريد طعمة (عامل)، إلياس قشعمي (عامل)، وانضم إليهم بعد أيام بطرس حشمة (عامل) وهو لم يكن حاضراً الاجتماع، وانتخب الاجتماع الرفيق يوسف إبراهيم يزبك سكرتيراً للحزب.

 وفي صيف عام 1924 كان قد تأسس حزب الشعب اللبناني وأصبح هذا الحزب الوجه العلني للحزب الشيوعي. وفي 15 أيار عام 1925 صدر العدد الأول من جريدة (الإنسانية). وفي حزيران 1925 جرى لقاء بين ممثلين عن الحزب وجماعة اتحاد شبيبة سبارتاك الأرمنية برئاسة أرتين مادويان. وانضم أعضاء الاتحاد إلى الحزب الشيوعي وتقرر توحيد منظمات الحزب والاتحاد.

في  28 تشرين الأول عام 1924 اعترفت اللجنة التنفيذية للكومنترن بالحزب عضواً في الأممية الشيوعية. وفي عام 1928 قُبل الحزب فرعاً مستقلاً في الكومنترن.

وفي كونفرنس الحزب الشيوعي السوري عام 1929 انتخب الرفيق ناصر حدة، كأول رفيق سوري، عضواً في اللجنة المركزية للحزب، ولعب دوراً كبيراً في بدايات انتشار الحزب وتوجهاته البرنامجية.

أصدر الحزب الشيوعي السوري في 7 تموز ،1931 بمناسبة الذكرى الأولى للإعلان عن الحزب، الوثيقة البرنامجية الأولى التي أقرت في السابع من تموز عام 1930: (لماذا يناضل الحزب الشيوعي السوري: غايته القصوى وشيء من بروغرامه).

أكد الحزب في هذه الوثيقة ضرورة النضال لتحقيق الاستقلال التام والوحدة السورية، وسحب الجيوش الأجنبية المحتلة وإلغاء الانتداب والديون العثمانية، وإلغاء امتيازات الشركات الأجنبية ومصادرة ممتلكاتها، وإلغاء الدساتير التي فرضها المستعمرون على الشعب في سورية ولبنان.

في عام 1934 دعا الحزب لعقد مؤتمر زحلة لمناقشة الوحدة العربية واتخاذ موقف واضح بشأنها. وشارك في المؤتمر ممثلون عن قوى سياسية مختلفة من سورية ولبنان وفلسطين والعراق. وصدرت في حزيران من العام نفسه جريدة (نضال الشعب) وعقد الحزب مؤتمرين عامين للعمال في سورية ولبنان. وفي 15 أيار 1937 صدرت جريدة (صوت الشعب) أسبوعية، وتحولت إلى يومية في أيلول من العام نفسه، ورأس تحريرها الرفيق نقولا شاوي.

وفي عام 1935 صدرت مجلة (الطليعة)  رسالة التحرير الفكري، وكانت  في البدء أسبوعية وفيما بعد شهرية  وكان صاحب امتيازها رشوان عيسى وتوقفت عن الصدور عام 1939.

هيأت نجاحات الحزب في نضالاته ومواقفه، طوال عقد الثلاثينيات وبداية الأربعينيات التربة لتوطيد مواقع الحزب وتوضيح مواقفه وتشكلت التنظيمات في معظم المدن والقرى ابتداءً من نهاية عام 1943 وبداية عام ،1944 إذ عقد المؤتمر الوطني للحزب، وانتخب المؤتمر الوطني لجنة مركزية جديدة للحزب الشيوعي السوري اللبناني، والرفيق خالد بكداش أميناً عاماً لها. وأقرّ الميثاق الوطني والنظام الداخلي، وتشكلت لجنتان مركزيتان منفصلتان: لجنة مركزية لقيادة الحزب في سورية برئاسة الرفيق خالد بكداش، ولجنة مركزية في لبنان برئاسة الرفيق فرج الله الحلو.

 ومتَّن الحزب علاقاته وتحالفاته مع القوى الوطنية لمواجهة القوى الرجعية والاستعمار والإقطاع. وعرف بحزب العمال والفلاحين والكادحين والمثقفين الثوريين. وحمل لواء النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وأطلق عليه (حزب الجلاء) و(حزب الخبز والحرية والسلام). وأيد الحزب وساند الثورات والحركات التحررية، ودافع بدأب وقوة عن مصالح وحقوق العمال والفلاحين وتحسين أحوالهم المعيشية وضد التخلف، ونشر أفكار الاشتراكية العلمية، وتحسين التعليم وتطويره.

وفي عام 1945 أصدرت وزارة الداخلية بلاغاً يقضي بحل الأحزاب، لكن الحزب الشيوعي أعلن عدم شرعية هذا البلاغ من الناحية القانونية، وعدم الالتزام به، واستنكره استنكاراً شديداً.

وأصدر الحزب بمناسبة إعلان الاستقلال في السابع عشر من نيسان 1946 بلاغاً حدد فيه الاتجاهات النضالية لفترة ما بعد الاستقلال وزوال الانتداب الفرنسي. وأطلق الحزب على المرحلة ما بين الاستقلال وعام 1954 اسم (مرحلة الديكتاتوريات العسكرية)، ومارس العسكريون القمع ضد الشعب وقواه الوطنية والتقدمية وسياسة الإرهاب، وزجوا الشيوعيين والوطنيين في السجون والمنافي.

سادت في سورية ابتداء من عام 1954 حتى عام 1958 مرحلة اتسمت بالديمقراطية. ولا تزال هذه المرحلة تحمل شعلة الديمقراطية في حياة سورية. ففي هذه المرحلة أقيمت التحالفات والعلاقات المختلفة بين التيارات القومية والماركسية والبورجوازية الوطنية، رغم التباينات، وخاصة في الانتخابات البرلمانية، وحرية العمل في النقابات العمالية والمهنية، وبين الطلاب والمثقفين والكتاب. وقد رشح الحزب عام 1954 الرفيق خالد بكداش الأمين العام للحزب، للانتخابات النيابية ونجح في الدورة الأولى وحصل على المرتبة الثانية بعد الأستاذ خالد العظم. وبهذا يكون أول نائب شيوعي في البرلمان السوري يحقق نجاحاً بانتخابات ديمقراطية حرة، وفي عام 1955 صدرت جريدة (النور).

وفي عام 1956 صدر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب في سورية ولبنان كراس (نحو آفاق جديدة) تضمن قراراً عن سياسة الحزب في سورية ولبنان، وقراراً عن قضية الوحدة العربية ونضال الحزب من أجل تحقيقها، وعن قضية فلسطين والنضال ضد الصهيونية.

وفي كانون الثاني عام 1957 أقر اجتماع اللجنة المركزية رفضه مبدأ إيزنهاور، وصدر بيان بهذا الخصوص. واتخذت اللجنة المركزية في عام 1958 قراراً حول الجبهة الوطنية وضرورة توطيدها، وقراراً عبرت فيه عن رأي الحزب في الوحدة العربية واعلن تأييده لصيغة الاتحاد.

وقد وضحت الوثائق الصادرة عن اللجنة المركزية بعد إنجاز الوحدة، موقف الحزب وبينت الأسس التي يجب أن تقوم عليها الوحدة، وفي أي مرحلة في الحاضر والمستقبل. ويمكن العودة إلى البنود الثلاثة عشر الصادرة عام ،1958 وإلى البرنامج السياسي للحزب الصادر في أيار عام ،1961 الذي طالب فيه بإعادة النظر بالأسس التي قامت عليها الوحدة، وعرفت بالبنود ال 18.

كانت المهمة الأولى للحزب، بعد مرحلة قمعية مريرة، إعادة نشاطه وترميم منظماته وتنظيم الصلة بالرفاق، في جميع أنحاء سورية. وأصدر الحزب في كانون الثاني عام 1962 نشرة داخلية تحلل ظروف الانتخابات والقوى التي اشتركت فيها ونتائجها. وحددت النشرة المهام الأساسية الراهنة ب (النضال من أجل توطيد الاستقلال والسيادة الوطنية، والدفاع عن الحريات الديمقراطية العامة، والعمل لحماية قانون الإصلاح الزراعي ومكتسبات جماهير الفلاحين والسعي لتطبيقه تطبيقاً صحيحاً).

وبرز الحزب في هذه المرحلة قوة سياسية في البلاد، وعدَّد التقرير المقدم إلى المؤتمر الثالث عام 1969 الأخطاء التي وقع فيها الحزب خلال المراحل التاريخية السابقة، ومنها: المبالغة في دور البرجوازية الوطنية وكذلك تطمينها، والمبالغة في دور البرلمانية البرجوازية وعدم وجود الكادر الكافي، وعدم تثقيف آلاف الشيوعيين بالحد الأدنى للمعلومات الضرورية للمناضل الشيوعي.

وتشكلت الجبهة الوطنية التقدمية في 7 آذار 1972 من أربعة أحزاب، وكان للحزب الشيوعي السوري مساهمة فعالة في صياغة مشروع ميثاقها.

هذا وقد بذل الشيوعيون بعد ثلاثة انقسامات كبيرة الجهود لمراجعة ما حدث من تشتت أعضاء الحزب في تنظيمات شيوعية، أو جلوسهم في بيوتهم لأسباب مختلفة. وقد أثمرت هذه الجهود في أول توحيد عام 1987 في المؤتمر السادس، وتلاه التوحيد الثاني عام 1991 في المؤتمر السابع الموحد. ولا تزال هذه المهمة في مقدمة المهام التنظيمية كما أقرها الحزب منذ مؤتمره العاشر بهدف توحيد صفوف الشيوعيين في حزب شيوعي واحد.

ويستمر الحزب في البحث عن أنجع الوسائل للحوار مع التنظيمات الشيوعية لاستكمال هذه المهمة.

العدد 1104 - 24/4/2024