«مؤتمر الشعب الديمقراطي» منظمة من أجل النضال في تركيا

ثمة منظمة شعبية (جديدة) في تركيا ظهرت قبل أكثر من عام بقليل، واشتهر اسمها بشكل واسع وفي بعض الحالات، أكثر من تلك المنظمات ذات المطالب التقدمية  الديمقراطية الثورية أو الاشتراكية. إنها مؤتمر الشعب الديمقراطي.

لم تظهر هذه المنظمة للوجود فجأة، فقد بُذلت منذ أعوام جهود لتوحيد أوسع قطاعات الشغيلة من شتى القوميات، التركية والكردية والعربية وغيرها، والطوائف والأديان المقموعة، في (جبهة)، وحول مطالبها الأساسية الدنيا. واستناداً إلى المد والجزر في حركة العمال، والتخلي عن الأعمال المعزولة ضد الهجمات على الشغيلة، أطلق النضال من أجل الوحدة وتطوير المساعي المهمة المبذولة تحالفاً انتخابياً سمي (كتلة العمل والديمقراطية والحرية) التي أعطت ثمارها في بعض الدورات الانتخابية الأخيرة.

ولكن المطلوب كان تلك المنظمة الشعبية الموحدة على أساس دائم تحتضن قطاعات أوسع من الشعب.

 

دعاية حزب العدالة والتنمية

تبنت حكومة حزب العدالة والتنمية، التي تشكلت بعد انتخابات عام ،2002 تكتيكاً لتوسيع الدعم الجماهيري لها من خلال وعد ب (الديمقراطية والتغيير). وكان معنى هذا الوعد توقع تحسين حياة الجماهير التي جربت القمع المميت على يد الطغم العسكرية والحكومات المعادية للديمقراطية لعقود، والتي تجد صعوبات في تأمين حتى أبسط الحاجات الأساسية، والتي عانت البطالة وظروف (الحرب الكردية).

وكان لذلك دور في حصول حكومة حزب العدالة والتنمية على دعم شعبي في الاستفتاء الدستوري والانتخابات المحلية والوطنية. وعلى الرغم من حقيقة أن حزب العدالة والتنمية حزب رأسمالي أتى إلى السلطة لتنفيذ سياسات اقتصادية رسمتها البلدان الإمبريالية الكبرى والمؤسسات المالية الكبرى (صندوق النقد الدولي والمصرف العالمي ومنظمة التجارة العالمية) منسجمة مع مصالح البرجوازية الكبيرة في تركيا، تمكّن هذا الحزب من خلق وهم (شعبوي) بخطابه الشعبوي ووعوده بتحسين الظروف السياسية والاقتصادية للشعب.

 

سقوط قناع النفاق

ولكن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت أكثر عدوانية من سابقاتها، وتولّت تمثيل العدوان الجشع للمؤسسات الرأسمالية التي تديرها جماعات (إسلامية) كانت تعرف ذات يوم ب (النمور الأناضولية).

ساءت ظروف العمل، قال الناطقون باسم الحكومة والرأسمال في دعايتهم: إن تركيا هي الاقتصاد السابع عشر الأكبر في العالم، في حين يعيش 13 مليون إنسان في فقر، و13 في المئة من السكان عاطلون عن العمل. وبسبب انخفاض الأجور  الذي تأثر أيضاً بإدخال العمل وساعات العمل (المرنة)  وارتفاع أسعار السلع الأساسية تنخفض القوة الشرائية. يعمل 7,4 ملايين إنسان دون تأمين أو عضوية في نقابة، لقاء الأجر الأدنى أو دونه. ترافقت الهجمات على الجماهير، وخصوصاً على المقاومة الكردية مع نزعة استفزازية وعدوانية، مواصلة سياسة خارجية تحت إشراف الولايات المتحدة. إنها تأخذ جانباً في الصراع الداخلي في العراق، وما زالت تحتفظ بقوات في أفغانستان. وأدت الرغبة في أن تكون (قوة ذات نفوذ في المنطقة) ضد إيران إلى علاقات متوترة. ومع بناء درع جديد مضاد للصواريخ في ملاطيا  كوريجيك، أنشئ موقع هجومي جديد ضد إيران وروسيا. وسبَّب الدرع توتراً في العلاقات مع هذين البلدين، وكذلك مع البلدان الأخرى في المنطقة المعارضة للولايات المتحدة. ويُعدّ التدخل العسكري في ليبيا، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، وإسقاط نظام القذافي نتيجة مجازر كبيرة، مؤشراً على النهج العدواني الذي يمارس خارجياً. ويحاول حزب العدالة والتنمية بقوة إسقاط النظام السوري. ولا يخفي ذلك. لقد وضع على الجانب التركي من الحدود قوات عسكرية خاصة، وينسق هجمات (اضرب واهرب). ويتدخل رئيس الوزراء و(رجاله) في الشؤون الداخلية السورية، ويرون في سقوط النظام السوري شرطاً مسبقاً لهيمنة تركيا في المنطقة. وينشر في الوقت نفسه التحريض الطائفي.

ما تمارسه تركيا هو سياسات رأسمالية إمبريالية تتوق إلى الحقبة العثمانية (المجيدة) التي تقود تركيا إلى مستنقع الحرب الإقليمية التي تتراكم مقوماتها المحتملة.

 

الحاجة المتزايدة إلى تنظيم موحد

ازدادت وضوحاً الحاجة إلى منظمة تصد الهجمات ضد جميع قطاعات المجتمع المناضلة من أجل حقوقها. كانت هناك حاجة إلى منظمة شعبية ديمقراطية للجماهير، لتجد تلك الحقوق الملحة تعبيراً عنها في مطلب المساواة والحرية والديمقراطية لشتى الطبقات والفئات والجماعات الدينية والجماهير الشعبية.

تعود المبادرة في تنظيم مؤتمر الشعب الديمقراطي إلى الانتخابات العامة في تموز 2011 مع تشكيل (كتلة العمل والديمقراطية والحرية)، ولكنها لم تكن جديدة تماماً. فقد تشكلت تحالفات بين القوى السياسية الديمقراطية من أجل الانتخابات في السابق. ولكن تلك التحالفات توقفت عن العمل فوراً تقريباً بعد تلك الانتخابات. أما الناس فكانوا بحاجة إلى مركز القوة والنضال ذاك الذي يستطيعون الانخراط فيه لحل مشكلاتهم، وأن يكون دائماً وليس مؤقتاً. ولكن ذلك لم يحدث قبل تحول تحالف (الكتلة) الأخير إلى مؤتمر الشعب الديمقراطي. عبرت (الكتلة الجديدة) بمبادراتها وبرنامجها عن هموم الناس. ولذلك لقيت تأييداً واسعاً. وكانت نتائج الانتخابات خير تعبير عن ذلك. وتحققت الوحدة حول مطالب مثل (حل سلمي للمسألة الكردية على أساس المساواة في الحقوق) و(وضع حد للسياسات الليبرالية الجديدة) و(لا لقوانين السوق في قضايا الصحة والتعليم) و(من أجل الوظائف والسلم والحرية). لذلك، وعلى الرغم من القمع والألاعيب الانتخابية ازدادت نسبة الأصوات التي حصلت عليها الكتلة، وانتخب 36 من مرشحيها. وأطلقت هذه النتيجة توقع وإمكان وحدة قطاعات واسعة من الشعب.

 

نشوء مؤتمر الشعب الديمقراطي

في مطلع آب 2011 اتفق عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات والأفراد وكذلك مكونات (كتلة العمل والديمقراطية والحرية) على تشكيل (منظمة جبهوية). وأعلن نحو عشرين حزباً سياسياً ومنظمة رغبتها في المشاركة. كان هذا تشكيلاً يتجاوز (الكتلة) من أجل الوحدة في الانتخابات. وقد أسهمت في نشوئه الظروف المذكورة أعلاه، وتصاعد الأنشطة الرجعية. كان هذا قرار أشخاص من تشكيلة واسعة من الخلفيات والمنظمات وكذلك أشخاص لم يشاركوا أبداً في أية منظمة سياسية، متحدين في معارضة شعبية، من أجل التصدي لهجمات الرأسمال والحكومة على جميع قطاعات المجتمع. وإيماناً منها بأن مؤتمر الشعب الديمقراطي سيلبي هذه الحاجة أيدته منظمات حرفية ونقايبية ومنظمات وجماعات سياسية ومثقفون وكتاب وفنانون بصفة فردية. وبعد اجتماعات في 81 مدينة لتكوين ممثلية للإرادة الوطنية من أجل تقرير اسم المنظمة التي سيتحدون حولها وبرنامجها ومبادئ العمل وخلق أجهزة مؤقتة لتحقيق ذلك، عقدت مبادرة مؤتمر الشعب الديمقراطي مؤتمرها الأول في يومي 15-16 تشرين الأول 2011. وانتخبت (الجمعية الوطنية) من 121 عضواً (ولجنة توجيه) من 25 عضواً. واتفق على أن تكون اللجنة المركزية مبنية على أساس المجالس الشعبية في المدن والبلدات، وأن تركز على التنظيم في المعامل والأحياء والقرى. وهكذا تأسس مؤتمر الشعب الديمقراطي.

العدد 1104 - 24/4/2024