مئة يوم حكومية لا تبعث على التفاؤل

مئة يوم على تشكيل الحكومة، محملة بالمفاجآت، حبلى بالأمل والتفاؤل، لكنها كانت ثقيلة، قاسية، صعبة، إلى درجة حبس الأنفاس  من المواطنين والوزراء على حد سواء. هكذا كانت المئة يوم الأولى التي مضت على تشكيل الحكومة، وهي المهلة الاعتيادية التي تأخذها عادة الحكومات، لتحاسب فيما بعد على أدائها، والإنجازات التي تمكنت من تحقيقها، والقضايا التي عجزت عن حلها، والتحديات التي فشلت في مواجهتها. ومهلة المئة يوم الأولى من عمر الحكومة السورية الحالية، لم تكن في مصلحتها على الإطلاق، وأول ما تعرضت له تداعيات انشقاق رئيسها رياض حجاب. وبصرف النظر عن ذلك، لم تبد الحكومة الحالية برئاسة وائل الحلقي، أكثر قدرة من الحكومة السابقة برئاسة عادل سفر، على مواجهة الوضع الأمني المتدهور، ولم تتمكن من لجم الحل الأمني، وإطلاق الحوار السياسي، رغم وجود وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية التي كان يفترض بها أن تقود عملية المصالحة، كخطوة أولى على طريق الحل السياسي للأزمة السورية التي قارب عمرها 20 شهراً.

اقتصادياً، وهو المحور الأساسي بالنسبة إلينا، لايبدو الوضع الاقتصادي للبلاد في حال جيدة، أو مقبولة، فهناك تدهور واضح في الاقتصاد الوطني، وتراجع في مؤشراته، نتيجة ما تشهده البلاد من أحداث دامية، أدت إلى إحراق معامل ومنشآت صناعية وحرفية في معظم المناطق الساخنة، وحالت دون وصول العمال إلى مقار أعمالهم، وجعلت من النقل مشكلة حقيقة، وخطراً محدقاً بكل سيارات نقل البضائع، وجعلت عدداً من المستودعات أثراً بعد عين، وأتت في أحيان كثيرة على الزراعة عبر حرق حقول بأكملها، وغابات معينة. كما جعلت الأزمة بعض القطاعات عاطلة عن العمل، كالسياحة على سبيل المثال، إذ بات بحكم المؤكد أن القدوم السياحي صفر، ما أسفر عن إغلاق المنشآت السياحية، وتسريح عمالتها، وخسارة نحو أربعة مليارات دولار سنوياً التي كان يشير إليها وزير السياحة الأسبق في معرض  حديثه عن منجزاته في هذا القطاع. كما أن المهن المرتبطة بهذا القطاع أصابتها الأزمة في مقتل، وكذلك قطاع الاستثمار الأجنبي المباشر، فحالة انعدام الأمن  أدت حتماً إلى هروب المستثمرين، ومنعت قدوم آخرين.  ويمكن القياس بالمسطرة ذاتها على المصارف وشركات التأمين، فضلاً عن حجم الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية، إذ قدرت الحكومة حجم الأضرار في القطاع الخدمي بنحو 2000 مليار ليرة، وكلها أضرار تعود كلفتها على دافع الضرائب السوري.

فشلت الحكومة الحالية اقتصادياً خلال المئة يوم الأولى من عملها، في عدد من القضايا، أبرزها توفير السلع والمواد الأساسية بأسعار مناسبة، كما شكلت قضية ارتفاع الأسعار تحدياً كبيراً لها رغم الآمال الكبيرة التي عقدت على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لضبط الأسواق وأسعارها، والتحكم بإيقاع العرض والطلب، وتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين. واستمرت مشكلتا الغاز والمازوت الخانقتين، بينما حاولت الحكومة تقديم التبريرات أكثر من قيامها بالأفعال في هذا المجال، وفي بعض الأحايين أبدت عجزها عن توفير هاتين المادتين.

مئة يوم من عمر الحكومة لم تك تدفع إلى التفاؤل كثيراً، ولم تتمكن حكومة (الحرب) أن تنهض بالواقع، وتعمل على المدى القريب، لإنجاز المطلوب منها، بل إن بعض الوزارات لم يك لها حضور واضح، أو دور فاعل على الأرض. وتُسجل على بعض الوزراء حالة من الانطواء، وعدم الظهور، والصمت المطبق، على نحو غير مبرر.  وثمة وزراء آخرون لا نعرف ماذا يخططون في نطاق عملهم، أو ماذا يفعلون؟ وكيف يتعاملون مع قضايا المواطن الملحة؟ وهذه أسئلة يمكن سحبها على نطاق عمل الحكومة كلها، ودور كل وزارة على حدة في مجال حل قضايا المواطن الخدمية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ.

كان مطلوباً ومتوقعاً من الحكومة الحالية، خلال مئة أيامها الأولى، أن تكون أكثر قرباً من مواطنها، وأن تعبر عن قضاياه ومصالحه بالدرجة الأولى، وتلبي طموحاته المختلفة. ولا نريد إطلاق أحكام بهذا المجال، إلا أن كل وزير يعي تماماً مدى ما أنجزه في هذه الموضوعات، وما قدمه للمواطن، تسهيلاً له وحلاً لمشكلاته. ولابد هنا من طرح تساؤل جوهري: طُلب من الوزراء أن يكون عملهم ميدانياً، وهناك تعاميم صادرة عن رئيس مجلس الوزراء تطلب صراحة أن يقوم كل وزير بالتواصل المباشر مع المواطنين وشرح المشروعات التي تقوم بها وزارته. فلماذا لم يلتزم الوزراء بذلك؟ ألا يستحق المواطن السوري من حكومته أن ينزل من يعتقدون أنهم يجلسون في برجهم العاجي إلى أوساط المواطنين، يستكشفون مشكلاتهم، وينظرون عن كثب إلى التحديات التي تواجههم؟ هي مجرد أسئلة بسيطة بعد المئة الأولى من أيام الحكومة التي يعول المواطنون عليها، وينظرون إليها على أنها حكومة تنقذهم من الانزلاق أكثر وأكثر في وحل المشكلات التي يعانونها، وأن تكون قادرة على صد الرمال المتحركة التي تواجههم، فما زال ثمة بقية من أمل وتفاؤل.

العدد 1105 - 01/5/2024