رثاء إلكتروني للشهيد الحي الصديق غسان الشهابي

منذ صباح يوم السبت الماضي أصبحت صفحات موقع التواصل الاجتماعي »الفيس بوك« جدراناً لرثاء الناشر والمثقف المناضل الفلسطيني والناشط في مجال الإغاثة والعمل الخيري الشهيد غسان الشهابي. إذ قضى نحبه في مخيم اليرموك برصاص قناص غادر. فكتب الصحفي والكاتب السياسي علي بدوان: »بالرغم من تجربته العميقة والطويلة، لم يكن غسان الشهابي، مسيَّساً حتى العظم، ولم يكن يملك أطروحات وحذاقات أو فذلكات فكرية وسياسية عالية، لكنه كان يحمل ميكانيزما عالية التفاعل مع محيطه وفي بيئته وفي مجالات عمله التي طالت نشر الكتب والتراث الفلسطيني وروايات النكبة، والتاريخ الشفوي الفلسطيني منذ بواكير النكبة حتى الآن. فأسس دار الشجرة في مخيم اليرموك، وتحديداً في شارع اليرموك قرب مجمع (صامد) الفلسطيني، لتكون شجرة باسقة ذات ثمارٍ ونبتاً يانعاً في سماء المخيم، وزاداً للأجيال الصاعدة التي تتوالد كل يوم طوابير وراء طوابير«.

ويكتب صديقنا الكاتب صلاح دباغ: »لا أدري من نعزّي، نفسي، أم عائلته الكبيرة، أم عائلته الصغيرة، أم دار الشجرة، أم مخيم اليرموك، أم الأصدقاء الكثر، من صافيتا إلى البقاع وبيروت وعمان ورام الله وطرطوس، من كل سورية وكل فلسطين وكل لبنان؟ كنا نشتغل على مشروع الذاكرة الفلسطينية من أجل بناء الرواية الفلسطينية للنكبة في مواجهة الرواية الصهيونية، ولكن لم يخطر ببالنا أن نصبح مادة لهذه الرواية، خارج الوطن، في منفانا الطويل في مخيم اليرموك، على يد مجرم ما أحمق ولا شك، لا يدري من هي فلسطين وماهية ذاكرتها، مثلما لا يدري دون شك من هي سورية التي تبني ذاكرتها الجديدة بشلال دماء أبنائها. فمن أعزي؟ فلسطين أم سورية أم الأصدقاء؟ أم الإخوة والأخوات، أم الزوجة والابنتين وأبناء وبنات الإخوة والأخوات؟ أم أبكي مخيم اليرموك ودار الشجرة؟ ابكوا جميعاً، فالبكاء على غسان مشروع وملح ومطلوب علَّ دموعنا ترطب مثواه الأخير. نم قرير العين يا غسان فقد بكتك نساء وأطفال حمص والتضامن والحجر الأسود ويلدا ومخيم اليرموك الذين وجدوا في دارتك كما كنا نسميها – دار الشجرة القليل من الدعم والعزاء«.

وعلى جدار صفحة صديقنا الناقد السينمائي سأل الصديق الشاعر زياد خداش صديقنا بشار أن يحكي له عن غسان الذي لم يعرفه شخصياً، فرد عليه بشار: »زياد.. اخطف رجلك إلى قرية الشجرة.. أيقظ ناجي العلي.. واسأل حنظلة.. غسان كنفاني، وعكا.. محمود درويش، والبروة.. اسأل صفد، حيفا، يافا، القدس، غزة، الناصرة.. مدّ خطواتك إلى قرى لوبية، الطيرة، بلد الشيخ، حطين، إجزم، الخالصة، الملّاحة.. مرّ على عرب الزنغرية، والمواسي، والهيب، والصبيح.. لا تنسَ صفورية، وفرعم، وعين الزيتون، والجشّ، والزيب، والطنطورة.. اسأل كل قطبة وكل غرزة في ثوب فلسطينية.. كل حطّة وعقال.. كل حفنة تراب، ومنجل، وقوس ربابة، وقصبة يرغول.. اسأل المخيمات.. اسأل الذاكرة الفلسطينية.. ستعرف من هو غسان الشهابي«.

ومما كتب الشباب السوري على جدار صفحتهم »نبض الشباب السوري«: ».. كان الشهيد ممن قدموا التضحيات العظام والعمل الدؤوب في خدمة النازحين السوريين..إننا اليوم ننعى شهيداً ورمزاً سورياً فلسطينياً.. طوبى لروحك يا غسان في علياء السماء..طوبى لفلسطين في عينيك وحرية سورية في قلبك«.

وفي صفحة (مخيم اليرموك نيوز)، رثاه عدد من أبناء المخيم وبناته، من الذين عرفوه عن قرب، فكتب أحدهم: (اليوم يخسر مخيم اليرموك غسان الشهابي أحد أبرز نشطاء العمل الثقافي والإنساني في المخيم.. غسان منذ بداية الأزمة سخَّر كل جهوده في مجال العمل الخيري والإغاثي في مخيم اليرموك، وهو من الناشرين الرائعين، إذ اهتمت به وسائل إعلام عالمية ومنها التلفزيون الألماني الذي أنجز فيلما وثائقياً قبل عدة سنوات عن نشاط مؤسسته التي كرسها لأجل فلسطين والعرب).

ولقد كان آخر ما كتبه الشهيد الحي غسان الشهابي على جدار صفحته عن معاناة أهلنا في مخيم الزعتري في (8/1/2013):

(أخجل من بردكم.. عندما أنعم بدفء الأوطان../ أخجل من خوفكم.. عندما تغفو عيناي بسلام.. / أخجل من جوعكم.. من عطشكم.. / إن أنا.. أطعمني الرحمن.. / وما زلتم أنتم في حرمان.. / أخجل من راحتي.. / وأنتم إخوتي.. ويضنيكم الهوان.. / آآآه يا إخوتي المعذبين تحت شح الخيام.. / أخجل من دموعي.. / التي ما أنصفت فيكم إنسان.. / آآآه يا إخوتي المعذبين تحت قهر الخيام.. / كم يقتلني هذا الخذلان..).

فعلق صديقنا الأديب خليل الصمادي بعد أن وصله نبأ استشهاد ابن مخيم اليرموك البار على جدار صفحة الشهيد، ( أخجل من استشهادك……عندما أنعم بالحياة ).

العدد 1105 - 01/5/2024