الاقتصاد السياسي للإرهاب في الشرق الأوسط

إن قول المؤرخ اليوناني ثوسايدايدس: (إن الحرب لم تعد تتعلق بالأسلحة بقدر ارتباطها بوجود التمويل)، قد يختصر الحل المناسب للأزمة الأمنية التي أصابت منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2010 وأدت إلى زيادة التهديدات التي تتعرض لها دول المنطقة بتأثير الإرهاب العابر للحدود نتيجة دعم بعض القوى الإقليمية للمجموعات المسلحة التي تعمل على الأرض بهدف تحقيق مكاسب سياسية، ما أدى إلى ظهور ما يسمى (ظاهرة الحدود السائبة) التي انتشرت على أطرافها التنظيمات الإرهابية والجماعات الخارجة عن القانون.

ورغم أن هذه الحالات السابقة كانت موجودة في المنطقة إلا أن التدهور الأمني الذي أصاب دول المنطقة بعد هبوب عواصف (الربيع العربي) أدى إلى بروز هذه الظاهرة بشكل واضح للعيان وبدأ بتهديد الدولة الوطنية ذاتها، لما خلفته على جسد الدولة من تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة،  بسبب القدرة الفائقة لهذه الجماعات الإجرامية على استغلال الوهن الحاصل في  الحالة الأمنية  للمنطقة، لتعظيم مكاسبها الاقتصادية وزيادة أرباحها المادية. ما أدى إلى خلق دورة اقتصادية إيقافها صعب للغاية نظراً للعلاقات العابرة للدولة التي أقامتها.

أسهم في تفاقم هذه المشكلة حتى أصبحت كالورم الخبيث في جسد المنطقة، تمركزُ هذه الجماعات في المناطق الحدودية الرخوة، ما جعلها تشكل لا تهديداً للدولة فقط، بل لجوارها أيضاً. ليغدو الانتشار المكثف للجماعات الإرهابية والإجرامية على الحدود الإقليمية أمراً طبيعياً، أسهم في تفاقمه واشتداد حدة تداعياته الحاضناتُ الشعبية التي تشكلت في الأطراف وكانت الملاذ الآمن لهذه التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى مجموعات من رجال الأعمال التي ظهرت واستفادت مما يمكن أن يطلق عليه (اقتصاد الحرب). بل إن دولاً ومنظمات غير حكومية وجماعات أيديولوجية وشركات وأفرادًا قد استفادوا من هذه الحالة، وأجَّجوها في الوقت ذاته، فيما يمكن اعتباره أدواراً ازدواجية وتفاعلات تبادلية.

ترتب على ذلك أن انتشرت أنماط من تجارة بدت من حيث كثافتها وطبيعتها أمراً غير معتاد، كتجارة السلاح والبترول والغاز، وتهريب المخدرات والبشر، والاتجار بالأعضاء البشرية  والآثار والمواد الكيميائية والسلع والبضائع المنهوبة. فيما كان التطور الأبرز في هذا المجال و الجديد كلياً هو ظهور ما يسمى (اقتصاد الجهاد)، إذ لعبت العوامل المادية أدوارًا أساسية في تنامي هذه الظاهرة العابرة للحدود على مستوى دول المنطقة، وارتباطها بعضها مع بعض، ونسجها لعلاقات مع قوى عشائرية وقبلية ووسطاء محليين قدموا الدعم اللوجستي لهذه الجماعات، إضافة إلى مدّها بمعلومات أمنية وعسكرية ساعدتها على تنفيذ الكثير من عملياتها الإرهابية، وكانت مناطق وجودها الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية.

هذا الأمر يعد السبب الأول لاعتبار قضية التمويل والدعم وخلق البيئة المناسبة لممارسة نشاطات اقتصادات العنف المسلح في المنطقة العربية، إحدى القضايا المركزية لفهم أبعاد التشابك بين عناصر هذه الظواهر الإجرامية والإرهابية، التي انتشرت في العديد من الدول العربية، سواء كانت مُصدِّرة للظاهرة أو مُستقبِلة لها. وفيما تتعدد أوجه الظاهرة وأبعادها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فإن التركيز على الأبعاد الاقتصادية لا يعني إغفال مجمل الدوافع المحركة لها، بل هي خطوة أولى لسبر أغوار أحد أهم الأسباب الأساسية التي باتت تشكل الدافع لانتشارها ومضاعفة آثارها في الوقت نفسه.

العدد 1105 - 01/5/2024