دوائر الذات

هذا الصمت الموحش يغوص حثيثاً بين الخطوات الصاخبة لتماثيل من شمع يرددون صدى حكايات قديمة، بالية، نمت فوقها تلال من الأعشاب البريّة.

من يأخذ نصف عمري ويأتيني بها!؟

لا أحد يردّ على ندائي.. لا أحد يعبأ بي

أتلفّت حولي، أبحث عنها في كينونتي الحائرة، أصنع من دموعي الباحثة عنها خشبات صليب ربما أجد من يدقّني عليها .

ربّاه.. كيف أواصل صمودي وهي غائبة عن مطاوي أصابعي؟

كيف أفتشّ عن أسرار ذاتي وبين يديها، يوم كنا في نشوة العناق، تركت ذاتي!

يومذك أهديتها خفقات صدري.. ونبضات كبدي، وأحاسيس أصابعي.

وتركت صورتي في مرآة سواد عينيها.

فهل تنجيني يا إلهي من توهان روحي؟

من ثنيات الغيوم أطلَّت عليَّ ساحرة شمطاء، أظافرها تقطر لوناً ليس كلون الدم، بل يشبه، لو قاربتني الذاكرة، صدأ سفينة أعلنت موتها على شاطئ مهجور، وتفتّتت كما يتفتت كبدي.

 عندما تُمطرُكَ السماء نيازك من أرجوان، وتتفتّح البراعم قراطيس من لؤلؤ.. تأتيك.

رباه..

وهل أمطرت السماء قديماً وحديثاً غير الماء المقطّر؟ ما إن يلامس فضاء البشر حتى يفارق براءته.

ومنذ متى سكنت حبيبتي لفافات البراعم؟

من يأخذ عصارات بوحي ويأتيني بها؟

أيها المتنكبون أسراركم، من يأتيني بها؟

تكاد آخر شهقات روحي تفرّ من صدري.

أين يدك تمسح على بياضي؟

هل تذكرين تلك الشرفة المعبأة بشدونا، أحسبها أريكة سحر وضعتني فوق لهاث الناس، ووجع المكبوتين، ومعك.

وحيد أنا هنا في هذا الصخب الشمعيّ، لا أحد يلتفت إلى وحشتي المعبأة بموت بطيء.

أيتها الساحرة الأفّاقة..لقد زَرعتُ بين ربيعين قصفة ريحان، فأزهرت عصافير من ماس، وأينعت قطوف عقيق.

ظللتني بثريات من أرجوان، ووشم عطر تخلل مساماتي.

رأيتها.. رأيت حبيبتي تتفتّح برعماً تخرج منه إلى قدري.

تعالي يا رفّة الروح.

تعالي إلى صدري المسكون بك.

مددت ذراعيّ فما أمسكت غير الفراغ.

مجنونة هذه الحياة.. والساحرة الخرقاء.. وأنا.

كلنا نحيا في غابة من جذوع ملوّنة بصفرة الشمع، فارقت منذ دهر نبضة الروح.

ماذا أفعل بنفسي؟ فقد أوشكت من شوقي ووحشتي وغربتي أعلن شهقتي الأخيرة.

من يأخذ مملكتي ويأتيني بها..؟

من..!؟

العدد 1107 - 22/5/2024