«باب الشمس» الفلسطينية

يؤكد أبناء الشعب الفلسطيني صناع الانتفاضتين، أنه قادر على ابتداع أشكال مقاومة ونضالية مبتكرة.. وصنع معادلات سياسية جديدة، بدلاً من واقع الاحتلال المؤلم والمستنزف لكل مقدرات الحياة، وبدلاً من عقلية تسليم المفاتيح للاحتلال..! ذلك أن الشعب يعرف طريقه.

آخر أساليب المقاومة المبتكرة، قيام أكثر من مئتي فلسطيني وفلسطينية، وصلوا من جميع المناطق في فلسطين، بتشييد قرية فلسطينية جديدة أطلقوا عليها أسم (باب الشمس)، على أراضي ما يعرف بمنطقة (E1)، حيث نصبوا الخيام في المنطقة ووضعوا جميع المعدات للتمكن من البقاء حتى تثبيت القرية.

وجاء في بيان صدر عن (مشيِّدي القرية)، (نعلن نحن، أبناء فلسطين، من جميع أرجائها، عن إقامة قرية (باب الشمس) بقرار من الشعب الفلسطيني، بلا تصاريح الاحتلال، وبلا إذن من أحد، لأنها أرضنا ومن حقنا إعمارها. ولقد اتخذنا قراراً بإقامة القرية على أراضي ما يسمى بمنطقة (E1)، التي أعلن الاحتلال قبل شهور عن نيته بإقامة 4000 وحدة استيطانية عليها، لأننا لن نصمت على استمرار الاستيطان والاستعمار في أرضنا، ولأننا نؤمن بالفعل وبالمقاومة، نؤكد أن القرية ستصمد لحين تثبيت حق أصحاب الأرض على أراضيهم).

وحول تسمية القرية ب (باب الشمس)، أوضح الناشطون في بيان لهم أن (الاسم مستوحى من رواية (باب الشمس) للكاتب اللبناني إلياس خوري، التي تسرد بعضاً من تاريخ فلسطين ونكبتها من خلال قصة حب بين البطل الفلسطيني (يونس) الذي يذهب للمقاومة، بينما تظل زوجته (نهيلة) متمسكة بالبقاء في قريتها بالجليل، وطوال فترة الخمسينيات والستينيات يتسلل من لبنان إلى الجليل؛ ليقابل زوجته في مغارة (باب الشمس)، وتنجب منه، ويعود مرة أخرى لينضم إلى تنظيم المقاومة في لبنان، وتروى الحكاية من خلال (د.خليل) الذي يهتم بيونس الموجود في غيبوبة في المستشفى، إذ يتكلم خليل مع (يونس) الذي لا يسمعه ويروي له قصته مع (نهيلة)، وهي تتشابك مع قصص عديدة عن اللجوء والنكبة والمقاومة. وباب الشمس هو بابنا إلى الحرية والصمود، باب الشمس هو بابنا إلى القدس، باب الشمس هو باب إلى العودة).

وقد وجه الكاتب إلياس خوري رسالة لصناع إرادة الحياة في قرية (باب الشمس)، تحت عنوان (إلى أهلي في قرية باب الشمس)، جاء فيها: (لن أقول يا ليتني كنت معكم، فأنا معكم. أراكم وأرى كيف صار الحلم على أيديكم حقيقة منغرسة في الأرض. (على هذه الأرض ما يستحق الحياة)، كما كتب محمود درويش، لأنكم عندما بنيتم قريتكم الرائعة أعدتم المعنى إلى المعنى، وصرتم أبناء هذه الأرض وأسيادها.

هذه هي فلسطين التي حلم بها يونس في رواية (باب الشمس). كان ليونس حلم من كلمات، فصارت الكلمات جروحاً تنزف بها الأرض، وصرتم أنتم يا أهالي باب الشمس كلمات تكتب الحلم بالحرية، وتعيد فلسطين إلى فلسطين.

أرى في قريتكم كل وجوه الأحبة الذين غابوا في الطريق إلى أرض موعدنا الفلسطيني. فلسطين هي موعد الغرباء الذين طردوا من أرضهم، ويطردون كل يوم من بيوتهم. غرباء وأنتم أبناء الأرض وزيتونها وزيتها!

أنتم زيتون فلسطين الذي يضيء بشمس العدل، تبنون قريتكم فيشتعل بكم نور الحرية.. (نور على نور).

أرى في عيونكم وطناً يولد من ركام النكبة الكبرى المستمرة منذ أربعة وستين عاماً.

أراكم فتكبر في قلبي الكلمات، أرى الكلمات فتكبرون في وجداني وتعلون وتقتحمون السماء. وختاماً، لي طلب واحد هو أن تقبلوني مواطناً في قريتكم، أتعلم معكم معاني الحرية والحق).

ومن المفارقات أن بعضاً ممن شاركوا في بناء القرية المقاومة جاؤوا من الجليل الذي تتمحور رواية الكاتب خوري على سرد بعض من حكاية أهله في روايته (باب الشمس). وكان القائمون على مشروع المواجهة الجديدة يحاولون إعادة نسج الرواية في نسخة واقعية جديدة.

يقول الفنان التشكيلي حافظ عمر عن القرية الظاهرة الوطنية والنموذج الحي للمقاومة الشعبية: (باب الشمس أرض عربية فلسطينية نناضل ونموت من أجلها، كما نناضل ونموت من أجل حيفا ويافا وعكا وأم الرشراش… لا تستمعوا لمن يتحدث عن حل الدولتين… ولا إلى من يتسلق على جراحات شعبنا أمام الفضائيات… لقد وقفنا في (باب الشمس) باسم إخوتنا في مخيم اليرموك وعين الحلوة والوحدات والدهيشة والنصيرات… وهتفنا لفلسطين… كل فلسطين).

ويرى المخرج السينمائي الصديق رشيد مشهراوي أن من أهم إنجازات باب الشمس، إعادة الأمل بعد الإحباط من المفاوضات العقيمة، وتحويلنا إلى فعل بعد أن كنا مجرد ردة فعل لأفعال الصهاينة.

ورغم تدمير جرافات الاحتلال الصهيوني للقرية، وإزالة وطمس معالمها التي شيَّدتها اليد المقاومة، إلا أن قصة (باب الشمس) لم تنته، ولن يكون هدم القرية نهاية المطاف، وإنما ستزيد الفلسطينيين إصراراً وصموداً على البقاء، وستبقى إرادة شعب يستحق الحياة.

العدد 1105 - 01/5/2024