أوطاننا تتطاير!

أوطاننا قد بدأت تتطاير..!

نعم تتطاير بأرصفتها وشوارعها وحدائقها وعشاقها وخيباتها وانكساراتها وذكرياتها ونسائها وأطفالها وشيوخها وعلمائها وأدبائها وجبالها وأنهارها وينابيعها وجنرالاتها وأوسمتها ونياشينها وسجونها ومعتقلاتها ودهاليزها السرية وأقبيتها المعتمة وطحالبها وطفيلياتها.

نعم قد بدأت تتطاير بقضها وقضيضها.

كالأشجار الهرمة في فصل خريفي زاخر بالعواصف والمفاجآت، هيهات أن تصمد جذورها أمام قوة العواصف الغاشمة، هيهات.

فهي إن لم تقتلعها من جذورها فسوف تكسرها..!

نعم أوطاننا قد بدأت تتطاير!

بعد أن هبت عليها رياح المؤامرات والخيانات والغدر.

هبت عليها عواصف الحقد والكراهية والبغضاء.

تلطمها ذات اليمين وذات الشمال. وتأخذها من تلابيبها أخذ عزيز مقتدر، وترميها في مستنقعات الذل والخنوع.

والعرب – كل العرب – يتفرجون. لا.. لا.. بل منهم من قد مدّ يد العون للغريب من أجل مزيد من التدمير، ومزيد من التخريب، ومزيد من القتل والتنكيل.

يا لها من مهزلة، يا لها من مصيبة، يا لها من كارثة!

أليست مهزلة حين نهرع إلى التاريخ لنبحث في كتب ديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء بالمحبة والسلام والتسامح عما يبرر لنا قتل إخوتنا، وسفك دماء الأبرياء منهم، من الأطفال والنساء والشيوخ، ونحن نعلم أن نبينا محمد بن عبد الله (ص) جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وليعلمنا طقوس الرحمة والإيثار والعدل؟!

أليست مصيبة حين تقوم الدول العربية الشقيقة بتجنيد شبابنا وتدريبهم على السلب والنهب والقتل، وتصرف ملايين الدولارات على تسليحهم، لا من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية التي يحتلها العدو الصهيوني الغاشم، بل من أجل مواجهة وقتل أشقائهم وإخوتهم وأبناء عمومتهم؟!

أليست كارثة أن تذعن الدول العربية وتستجيب بكل ذل وخنوع وخوف ورهبة لنزوات الغرب وأطماعه وتنفيذ مخططاته ومؤامراته التي يحيكها لنا مع أشباح الظلام، من أجل الاستيلاء على أوطاننا وخيراتنا وثرواتنا. وهاهم أولاء أعداء هذه الأمة بكل ما يملكون من مكر وخداع وعنجهية يعقدون المؤتمرات وينفذون ما يأتمرون عليه هم وأعوانهم ضد هذه الأمة؟! وها نحن العرب نعقد المؤتمر تلو المؤتمر، ثم نعود بخفي حنين.

أما آن لنا أن نصحو من غفوتنا؟

أما آن لنا أن ننهض من كبوتنا ونضمد وجراحنا لنلحق بالركب؟

أما آن لنا أن نستشعر الخطر الذي نبهنا إليه الشاعر إبراهيم اليازجي في قصيدته الشهيرة التي قال فيها:

تَنَبَّهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العربُ

فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ

وَفارَقَتْكُم لِطول الذُلِّ نَخوَتكُمْ

فَلَيسَ يُؤلِمُكُمْ خَسفٌ وَلا عَطبُ

وَحُكمَ العِلجُ فيكُم مَع مَهانَتِهِ

يَقتادكُم لِهَواهُ حَيثُ يَنقَلبُ

لا يَستَقيمُ لَهُم عَهدٌ إِذا عَقَدوا

وَلا يَصحُّ لَهُم وَعدٌ إِذا ضَرَبُوا

إِذا طَلَبتَ إِلى ودٍّ لَهُم سَبباً 

فَما إِلى ودِّهمْ غَيرُ الخَنى سَببُ

وَلَيسَ أَعراضُكُم أَغلى إِذا اِنتُهِكَتْ

مِن عِرضِ مَملوكِهِمْ بِالفلسِ يَجتَلِبُ

فَبادِروا المَوتَ وَاِستَغنوا بَراحَتِهِ

عَن عَيشِ مَن ماتَ مَوتاً مُلؤُهُ تَعبُ

وَمِن يَعِشْ يَرَ وَالأَيام مُقبِلَةٌ 

يَلوحُ للمَرءِ في أَحداثِها العَجبُ!

العدد 1105 - 01/5/2024