اتساع دائرة الفقر في الولايات المتحدة

حين دخل باراك أوباما لأول مرة السباق الانتخابي لشغل منصب رئيس الولايات المتحدة، كانت (إيما هاميلتون) جزءاً من مجموعة متحدة، هي: (الطبقة البيضاء العاملة) لعبت دوراً سياسياً حاسماً في ذلك السباق. وقد عملت (هاميلتون) في مصنع يقع في مدينة (سمتر) الواقعة في ولاية كارولينا الجنوبية، البالغ عدد سكانها نحو أربعين ألف نسمة.

 

عتبة الفقر الاتحادية

شريحة الفقراء ال15 في المئة في الولايات المتحدة تمّ احتسابها من خلال استخدام عتبة الفقر الرسمية الفدرالية البالغة( 11702) دولار سنوياً للفرد، أو( 23201) دولار لعائلة مؤلفة من أربعة أفراد، وهو مستوى يشكل نحو 44 بالمئة من الدخل المتوسط للفرد، و30 بالمئة لعائلة من أربعة أفراد. وتوفر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسيد)- التي ينظر إليها على أنها نادي الدول الثرية- أرقاماً مقارنة لخط الفقر تصل إلى 40 بالمئة من متوسط الدخل العائلي بعد الضرائب والتحويلات. وبموجب ذلك الأساس، فإن مستوى الفقر في الولايات المتحدة يبلغ نسبة 11 بالمئة، وهو أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 6 بالمئة. وتتجسد الصورة النمطية للفقر في الولايات المتحدة في (أبالاشيا) أو (أوكلاند)، حيث فئة البيض في الأرياف والمناطق النائية وفئة السود في المناطق الحضرية- وثمة قدر كبير من الصحة في ذلك. كما أن معظم المقاطعات تظهر صورة مستمرة للفقر ما يعني أن المقاطعات ذات معدلات فقر من 20 بالمئة أو أكثر وفي الفترة ما بين 1990 إلى 2010 كانت مستويات الفقر أعلى في حقيقة الأمر داخل المناطق الريفية من الولايات المتحدة. والمعدل الإجمالي للفقر أعلى في المدن الكبيرة. وفي ما تبلغ نسبة الفقر بين البيض من غير الأصول اللاتينية (الهيسبانيك)- 2,19 مليون نسمة- فإن معدلات الفقر أعلى بين الأقليات. ويعيش أكثر من ربع السكان من أصل زنجي أو لاتيني في حالة فقر، على حين تنخفض تلك النسبة إلى 10 بالمئة من البيض.

 

مسجونون بالفقر… والعكس بالعكس

في عام،2010 تمّ احتساب 5,10 ملايين أمريكي ضمن العمال الفقراء، ما يعني أنهم أمضوا 27 أسبوعاً في قوة العمل، لكنهم ظلوا يعيشون تحت خط الفقر. وكان ذلك أعلى رقم منذ بدأ (مكتب إحصاء العمل) برصد الأرقام في سنة 1987. ويمكن لهذا الرقم أن يكون أعلى كثيراً لو أنه اشتمل على أشخاص مثل السيدة (دونهام) التي لم تتمكن من تأمين احتياجات عائلتها رغم أنها غير مصنفة تحت خط الفقر. والشكوى الشائعة هي أنه قبل 40 أو 50 عاماً كان بوسع العمال ذوي التعليم الرسمي المتدني، مثل (دونهام)، إيجاد عمل في معمل أو تحصيل أجر لائق مع فوائد. غير أن الأعمال التي تتسم بقلة المهارة، خصوصاً في مجال التصنيع، ذهبت إلى الخارج أو سقطت ضحية الأتمتة (التحديث والتكنولوجيا)، ولم يعد هناك سوى وظائف الخدمات المتدنية المستوى، (ويوجد نحو ثلث العمال الفقراء في قطاع الخدمات). وفي هذا مبالغة في التبسيط- وذلك لأن وظائف التصنيع ليست أعلى أجراً من وظائف الخدمات- ولكن ثمة حقيقة تقول بأن أجور الأفراد ذوي الدخول المتدنية ظلت ثابتة إلى حد كبير خلال الأربعين سنة الماضية.

 

أسر النساء

إلى ذلك، ثمة بنية أسرية متردية في أوساط الطبقة الفقيرة. وكان (دانييل باتريك موينهان) الذي عمل مع برنامج الرئيس ليندون جونسون في (الحرب ضد الفقر)، قد حذر عام ،1965 من أن الانهيار في البنية العائلية بين عائلات السود سيفضي إلى نتائج رهيبة. وكتب يقول في كتاب بعنوان (العائلة الزنجية- قضية عمل وطني): إن ربع تلك العائلات تديرها نساء، ونحو ربع الأطفال السود غير شرعيين. واليوم تبلغ معدلات الولادات من غير المتزوجات بين الأمريكيات من شتى الأعراق درجة أعلى من ذلك بكثير، إذ تصل إلى ما يقارب 41 بالمئة. وترتفع تلك النسبة إلى أكثر من 60 بالمئة بين النساء من البيض اللواتي لم يكملن الدراسة الثانوية. ويعيش معظم الأطفال الفقراء في بيت الأب الواحد- وليس الأبوين- كما أن معظم العائلات الفقيرة تفتقر إلى أبوين، وأكثر من ثلث العائلات من أمثال السيدة هاميلتون- التي ترعاها أم من دون وجود زوج- تكون فقيرة مقارنة مع أقل من 1 بين 14 عائلة مع أبوين. وفي سنة 1999 حذرت إيزابيل سوهيل، وهي خبيرة في قضايا الفقر لدى (معهد بروكنغز) من (تشعب احتمالات الحياة بالنسبة إلى الأطفال، وهو ما يهدد بتحويل الولايات المتحدة إلى مجتمع من الأغنياء والفقراء).

 

مشاكل الفقر

يحصل الفقراء في الولايات المتحدة على مساعدات عبر عدد من البرامج التي تتعثر في الوقت الراهن نتيجة الضغوط المالية. كما أن حجم الإنفاق الاتحادي على كوبونات الغذاء وصل إلى أرقام قياسية بلغت 7,75 مليار دولار سنة 2011 المالية- أي أكثر من ضعف أرقام سنة ،2008 وقد ازدادت نفقات الرعاية الصحية الحكومية  للأمريكيين من ذوي الدخل المحدود في كل سنة منذ 2008 وذلك على الرغم من أن الزيادة في سنة 2012 كانت الأدنى منذ بداية الركود. وفي 2011 وزعت الولايات المختلفة ما مجموعه 3,113 مليار دولار على شكل إعانات بطالة إلى 9,9 ملايين شخص، إضافة إلى نحو 6,16 مليار دولار قُدِّمت في صورة منح كجزء من برامج حكومية تدعى (مساعدات مؤقتة إلى عائلات محتاجة). بالمقابل، تبدو الولايات المتحدة مترددة بصورة غير عادية مقارنةً بالدول الغنية الأخرى في ما يتعلق بتحويل مبالغ نقدية إلى الفقراء. ويبدو أن واشنطن تنفر من فكرة (مكافأة) المواطنين على فقرهم، وهي تحارب الفقر من خلال قانون ضرائب، ويسمح ائتمان ضريبة الطفل للعائلات التي يقل دخلها عن 110 آلاف دولار للمتزوجين و75 ألفاً للأب الواحد بطلب 1000 دولار على شكل ائتمان ضد ضرائب الدخل الفدرالية لكل طفل. ويعدّ ائتمان ضريبة الدخل المكتسب من أهم برامج التحويل النقدي التي تعتمد على الضريبة، وقد صدر في سنة 1975 كوسيلة من أجل تشجيع الفقراء على الانضمام إلى قوة العمل.

 

مطرقة دونهام

رغم ذلك، تظل برامج المساعدة غير شعبية لدى العديد من أعضاء الكونغرس، وقد حاول الجمهوريون في مجلس النواب إجراء خفض في كوبونات الغذاء، وأيدوا ميزانية اقترحها بول رايان تدعو إلى تحميل برامج مكافحة الفقر أعباء التخفيضات الحادة في الإنفاق الاتحادي، كما لم يؤيد أحد فكرة إصلاح الرعاية الصحية التي طرحها الرئيس، والتي هدفت إلى جعل الحياة أكثر سهولة بالنسبة إلى أشخاص مثل السيدة (دونهام) وعائلتها من خلال عرض مساعدة طبية إلى أشخاص يتجاوز دخلهم ثلث خط الفقر. وبالنسبة إلى الفقراء في مدينة (سمتر)، فإن المؤشرات ليست سيئة تماماً، إذ بدأت شركة تصنيع إطارات بإقامة مصنع بقيمة 500 مليون دولار يهدف إلى توظيف 1600 شخص. ويستعد السيد (دونهام) لموسم عيد الميلاد، يحدوه الأمل في بدء عمل تجاري من خلال تجميع صناديق هدايا ومفروشات، يرغب أن يطلق على مشروعه اسم (لو كانت لدي مطرقة)، وهو عمل سيكون موسمياً، متقطعاً وغير رسمي، لكنه يحظى بالترحيب بلا شك.

 

عن الإيكونوميست

العدد 1105 - 01/5/2024