لهذا أعفي مدير مؤسسة أسمنت الدريكيش..

«النور» تكشف فوضى وسماسرة وسوق سوداء..!

 

 قد لا تكون الحالة الوحيدة في منطقة الدريكيش التي يحصل فيها فساد ومحسوبيات على أعين الجهات الرقابية دون تحريك ساكن! فالمواطن في هذه المنطقة، لم يعُد يثق بأيّة جهة قد يلجأ إليها للحصول على حقه. وأنا هنا لا أتجنى على أحد.. فمثلاً على الرغم مما كتب وقيل، لا يزال الرغيف في طرطوس عموماً، والدريكيش خصوصاً، يعاني النوعية الرديئة والوزن غير النظامي في الأفران العامة أو العكس في الأفران الخاصة! ولا تزال البسطات تحرم المواطن متعة التسكع على الأرصفة، في حين تغص الشوارع بالحفر والجور، إضافة إلى الانتشار المخيف للمخالفات في الأبنية – وعلى عينك يا بلديات – كما يقال.. ولكن حجة البلديات أنهم يطلبون من المواطن أن يشتكي على المخالفة، وكأنهم غير معنيين برؤيتها. وأعتقد أن السبب غير خافٍ على أحد! فضلاً عن الاكتظاظ في المدارس، وعدم التنظيم والتوزيع الصحيح للمدرسين، وبقاء عدّة صفوف دون مدرّس في مدارس عديدة، كابتدائية المقلع، وثانوية أمين دبرها، وابتدائية خالد بن الوليد، وغيرها من مدارس المحافظة، مما يطرح العديد من التساؤلات عن رأي المعنيين في مديرية التربية بطرطوس بهذا الخلل، الذي نأمل ألاّ تكون الأحداث شماعة لما سيقولونه!

 المهم.. بعد سماعي من عدد ممّن يتعاملون مع مؤسسة أسمنت الدريكيش عن المخالفات في توزيع مادة الأسمنت في المؤسسة المذكورة، والتلاعب بالأدوار، ووجود سوق سوداء حقيقية أمام المؤسسة المذكورة، قصدت المكان منذ الصباح، وفوجئت بالأعداد الكبيرة من المواطنين الذين ينتظرون قدوم مدير المؤسسة المدعو سمير إسماعيل.

 

 تحدث عدد من المواطنين عن المخالفات والرشا وعمليات البيع المخالفة التي يقوم بها بعض السماسرة المتنفذين في المنطقة، الذين تربط بعضهم علاقات مشبوهة مع بعض الموظفين داخل المؤسسة:

السيد أحمد نعمان أبو طاهر تحدث عن الموضوع قائلاً: إذا كنت تبحث عن الفساد في طرطوس، فيمكنك بسهولة العثور عليه في أكثر من مكان، وعلى رأس هذه الأماكن، هذه المؤسسة التي ينخرها الفساد من بابها إلى محرابها. هنا بعضهم يحصل يومياً على الكميات التي يريدها، لأنه يدفع.. في حين نقف عاجزين عن الحصول على كيس أسمنت واحد، لأننا لا ندفع للمدير وحاشيته. المدير مع بعض موظفيه يتلاعبون بالأدوار، ويسهّلون بيع المادة لسماسرة يقومون ببيعها أمام المؤسسة لتجار الأزمة، الذين يأخذون الأسمنت ليبيعوه بضعف الثمن الحقيقي في أماكن أخرى. ودعني أسأل المدير عن دور أحد الحراس، ويدعى مدين، في عمليات البيع والسمسرة.

أنا لا أعلم أين هي الجهات الرقابية من مدير المؤسسة، الذي يجاهر علناً بأنه يتحدى من يزحزحه من منصبه! وأكثر من مرة اشتكينا ولكن دون فائدة.. هل كل الدماء التي سالت في سورية بسبب الفساد والمحسوبيات ليست كافية؟! يبيع السماسرة المحسوبون على مدير المؤسسة كميات كبيرة أمام المؤسسة، بأسعار تزيد أكثر من مئة ليرة على سعر المؤسسة. وفي القرى البعيدة يباع الكيس أحياناً بضعف ثمنه! وشيء آخر نود معرفته ويتعلق بالكمية.. فإذا كانت حصتي مئة كيس، والمسافة من المؤسسة إلى قريتي بحدود 20كم، وتكلفني أجرة النقل نحو 1000 ليرة، فلماذا تقسّم لي هذه الكمية على عدة دفعات، في حين يحصل بعض التجار المتعاملين معه ب(الرشوة) على أطنان دفعة واحدة؟!

أما سامر ملحم فقال: أنا متعهد ومعي ثلاث رخص بناء، وأحصل شهرياً على خمسين كيساً بعد جهد جهيد، في حين يحصل بعض السماسرة الذي يتعاملون مع تجار الأسمنت يومياً على نصيبهم من المادة؟! طبعاً للمدير (شلة) من الموظفين يقبضون من هؤلاء التجار بشكل يعرفه الجميع. سعر الكيس 361 ليرة، إضافة إلى ليرة عتالة، فلماذا يباع أمام المؤسسة بمبلغ يزيد على 450 ليرة؟! وعلى ذكر عمال العتالة، فإنهم إن لم يرتشوا فسيحصل الزبون على أكياس ممزقة لا تحوي نصف الكمية.. فمثلاً كلنا يعلم أن كيس الأسمنت وزنه 50 كيلو، وفي حال عدم دفع (إكرامية) لهؤلاء العتّالة، فسنحصل على أكياس ممزقة لا تحوي أكثر من 30 كيلو! المدير يعرف ذلك، واشتكينا له عدة مرات ولكن دون جدوى.. أجزم أن المدير وعدد من الموظفين هم سبب الفوضى في عمليات البيع. هنا خمس أو ست تجار لا يملكون رخصاً ويحصلون يومياً على الكميات التي يريدونها، ويقومون ببيعها أمام المؤسسة!

السيد أحمد حسين تحدث عن معاناته مع مدير المؤسسة قائلاً: أنا من قرية تبعد عن المؤسسة أكثر من 20 كم، وهذه هي المرة الرابعة أو الخامسة التي آتي بها إلى هنا، وأنتظر ولكن دون جدوى.. المدير هو أكبر فاسد في هذه المحافظة، والذي يغطي عليه أخطر من هؤلاء الذين يقاتلون الجيش في حلب أو أي منطقة. يكفينا ما نعانيه من أمثال المدير الفاسد وبعض أزلامه. هذا دفتري، وهذا الموعد الذي حصلت عليه، وهناك بعض السماسرة أخذوا أكثر من أربع مرات وموعدهم هو موعدي نفسه!

 

شركة العمران تتحمل مسؤولية التستّر عليه وعلى أمثاله

السيد حسين عمران تحدث عن عمليات الرشا والتلاعب بالدّور بعد دفع مبالغ معينة لموظفين يعدون مفتاح مدير المؤسسة (كما يقولون). ففي هذه الرخصة (وهي موجودة لدى صاحبها في الوقت الذي تطلب فيه) موعد حصولي على كمية معينة من الأسمنت هو 21/11/،2012 ولكن وكما هو مبين في هذه الرخصة على الصفحة الثالثة، فقد حصلت خلال ثلاثة أيام من هذا الشهر، وبالضبط في (19- 21 -23/9) على 300 كيس، بعد أن دفعت رشوة لأحد المحسوبين على المدير أكثر من 6000 ليرة سورية!

طبعاً هذه ليست المرة الوحيدة التي أدفع فيها مبالغ من أجل الحصول على الأسمنت، ولست الوحيد الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب الذي أمقته أشد المقت، ولكن (بدنا نشتغل ونعيش) كما يقولون، مادام المسؤولون عن المدير يتسترون عليه! الحق ليس علينا، ولكن على المتسترين الذين يحمون هذا المرتشي وهذا الفاسد، ونحن على استعداد لمواجهته بهذه الحقائق في أي مكان وزمان!

السيد يعرب زمزم تحدث عن الرشا التي تدفع في المؤسسة قائلاً: حدث ذلك معي شخصياً.. إذ حضرت إلى المؤسسة ومعي رخصة البناء، وبقيت حتى قبيل انتهاء الدوام، ولم أتمكن من الحصول على أي كيس إلاّ بعد أن دفعت لأحد الموظفين مبلغ 4000 ليرة سورية، وهكذا حصلت في اليوم الثاني على كامل الكمية التي طلبتها! يجب عدم التستّر على الفاسدين، لأننا لم نصل إلى ما نحن عليه الآن إلاّ بسبب أمثال هذه النماذج من الفاسدين! سمعنا كثيراً عن محاربة الفساد، ولكن يبدو أن كل ذلك كان حبراً على ورق.. إذ يسرح الفاسد ويمرح كما يريد بعد أن يرضي بعض الجهات صاحبة العلاقة بمراقبته، وأن يرضي المدير المسؤول عنه!

حضر المدير المذكور، وتدافع الحاضرون لتقديم دفاترهم، ووسط هذا الهرج والمرج تبادلوا بعض المصطلحات والعبارات التي يشتمّ منها رائحة تزوير وتلاعب وأشياء أخرى. وبعد استلام بعض الدفاتر التقينا مع المدير المذكور فقال:

ما يحدث في هذه المرحلة ناتج عن نقص الكميات التي تأتي إلى المؤسسة من مؤسسة العمران بطرطوس، وحسب هذه الكمية نتكيف مع عمليات التسليم. وفيما يتعلق ببيع المادة أمام المؤسسة أجاب بأنه ليس جهة رقابية كي يتدخل في الأمر (طبعاً بعض الموظفين ممن يسمونهم الحويصة، يشاركون في تلك العمليات كما علمنا من بعض الذين لم يريدوا التصريح عن أسمائهم، وقد أطلعنا على أحدهم، وهو حارس يدعى مدين)!

المدير الذي تحدث عن توزيع الكمية قبل شهر تقريباً على الهوية، أكد أن نقص الكمية المخصصة هي السبب في ما يحدث. وفي معرض ردّه على سؤال حول تقسيم الكميات إلى دفعات، وحسب الدّور، أكّد أنّه لا يمكن لشخص أن يحصل على حصته قبل الموعد مهما كانت الظروف (طبعاً أكد العديد من المواطنين أن تسجيل الدور بقصد الابتزاز فقط)، رافضاً مقولة الرشوة، برغم ارتباكه أثناء إطلاعه على حقيقة الأموال التي تدفع له بشكل غير مباشر من بعض موظفيه!

السيد علي يونس، مدير مؤسسة العمران بطرطوس، تحدث عن نقص في الكميات التي يُسلّمها معمل أسمنت طرطوس، وقال بأن على المؤسسات الفرعية أن تتكيف مع الكمية المرسلة إليها بما يلبّي حاجة المواطن. وعن عمليات البيع والسوق السوداء في مؤسسة الدريكيش، أكّد أنه لا يملك حق مراقبة عمليات البيع، معللاً تلك العمليات بأنها ناتجة عن نقص المادة. وفي معرض ردّه على معلوماتنا عن عمليات الرشوة التي يتقاضاها مدير أسمنت الدريكيش، دافع السيد علي يونس عنه دفاعاً قوياً، ودعانا إلى عدم تصديق كل ما يقال!

السيد علي جوهرة، مدير معمل الأسمنت، تحدث عن حالة استثنائية في هذه الأيام، بسبب انقطاع الكهرباء، وإجراءات  الصيانة لبعض أجهزة المعمل، إضافة إلى سوء توزيع المادة من قبل مؤسسة عمران بطرطوس والمؤسسات الفرعية التابعة لها في المناطق.. وهنا دعني أسألهم -يضيف السيد علي جوهرة- عن الكميات الكبيرة التي تصل إلى 5000 طن التي كنا نرسلها إليهم قبل أقل من شهر.. كيف تمت عمليات توزيعها وبيعها! أعتقد أنهم لا يتصرفون كما يجب!

حملنا جملة الإشكالات وقصدنا السيد محافظ طرطوس، ومعنا كل الوثائق والثبوتيات والأدلة على ما تحدثنا عنه آنفاً.. وكان للسيد المحافظ الدور الكبير في وضع الحد لهذا الفساد الذي طال أمده.. وخلال فترة وجيزة لا تتجاوز الأسبوع شُكلت لجنة قامت بالتأكد من المعلومات التي وضعناها بين يدي السيد المحافظ، وما هي إلاّ أيام قليلة حتى أُعفي مدير مؤسسة أسمنت الدريكيش المدعو سمير إسماعيل من مهامه، إذ جاء في تقرير اللجنة المشكلة من السيد سائر العاتكة، عضو المكتب التنفيذي بالمحافظة، إضافة إلى رئيس دائرة الرقابة الداخلية في فرع العمران بطرطوس، أنه بعد البحث والاتصال ومقابلة بعض المواطنين والحرفيين المتعاملين مع المؤسسة، ثبت أنه يوجد تجاوزات ومخالفات واضحة، أهمها مخالفات الدور، وسوء تعامل مع المواطنين، وشبه إجماع على سوء الإدارة.. فقد وُثقت كل هذه المعطيات بتقرير الرقابة الداخلية، واقترح إعفاء المدعو سمير إسماعيل من مهامه، وصدر قرار رقم 44 في اليوم نفسه يقضي بذلك، ممّا انعكس ارتياحاً عاماً لدى الكثير من المواطنين الذين عانوا معه لسنوات عديدة! إضافة إلى كل هذا ثبت لدى اللجنة وجود خلل  بالإحالات من بعض البلديات (عدم دقة في منح موافقات لاستجرار الأسمنت)،  مما يطرح أكثر من علامة استفهام عن العلاقة بين رؤساء تلك البلديات والمدير المذكور!

هنا نقف أمام المسؤول الحقيقي الجدير بكل احترام وتقدير.. المسؤول الذي شرع أبواب مكتبه لكل ذي حق.. فمن القلب نقول للسيد محافظ طرطوس وللجنة التي أنهت عملها بوقت قصير جداً، شكراً على هذا الإحساس بالمسؤولية، وعلى هذه الشفافية في معالجة الموضوع.. على أمل أن يكون المدير السابق عبرة لغيره ممن تسوّل لهم أنفسهم أن يتجاوزوا القانون والتلاعب بحقوق المواطن خدمة لمصالحهم الدنيئة!. وشيء آخر نود لفت نظر السيد المحافظ، أن هناك العديد من المشاكل والتجاوزات في أكثر من مؤسسة ضمن محافظة طرطوس، على رأسها الصحة والتربية، آملين أن يكون الذي حدث في مؤسسة أسمنت الدريكيش دافع للآخرين كي يراجعوا حساباتهم ويتنازلوا عن الجشع واللامبالاة والمحسوبية وأشياء أخرى، ويضعوا نصب أعينهم خدمة الوطن من خلال خدمة أبنائه الذين هم أمانة في عنق كل مسؤول.. شيء آخر فاجأ بعض المواطنين ويتضمن بقاء المدعو سمير إسماعيل في المؤسسة نفسها وعدم إحالته على القضاء بعد أن اعترف أكثر من شخص بأنه كان يقبض منهم مبالغ طائلة وصلت من أحدهم (وهو مستعد لمواجهته) إلى مئة ألف ليرة سورية!

 

مجرّد اقتراح

رأينا أكثر من رخصة معطاة على أساس أن هناك (معمل بلوك)، بعض تلك الرخص خلبيّة أعطيت بطرق غير مشروعة، وبعضها الآخر لا يعمل! لكن أصحاب تلك الرخص يستغلون أزمات الأسمنت ويحصلون على حصة من الأسمنت دون عناء! هنا أتمنى على الجهات المعنية والرقابية التحقق من عمل معامل البلوك أو البلاط التي تستجر من المؤسسة كميات كبيرة، يكون مصيرها البيع بأسعار مضاعفة. طبعاً يجب ألا ننسى أن كل معمل كفيل بتأمين أكثر من فرصة عمل، وأعتقد أن هذه الناحية تفوق الربح الذي يجنيه صاحب الرخصة الخلبيّة!

 

كلمة أخيرة

الفساد هو إرهاب من نوع آخر، يؤثر سلباً على المواطن والدولة معاً، ويتسبب بضياع الحقوق سعياً وراء مصلحة ومنفعة شخصية، وعلى الدولة متمثلة بالحكومة والجهات الرقابية والتموينية، وعلى المجتمع أيضاً مواجهته ونبذ الفاسد ومحاسبته أشد الحساب، كي يكون عبرة لمن سيخلفه.. ونشدّ على يد المواطن كي يتخلص من كابوس الخوف ويرفع صوته عالياً في وجه كل من يصادر حقه وينتقص من كرامته ويعتدي على القانون كي تتم محاسبته.. كم نتلهّف لرؤية رؤوس الفساد المقطوعة في أكثر من مكان وفي أكثر من مؤسسة تفوح منها رائحة الفساد الكريهة!

العدد 1104 - 24/4/2024