المتقاعدون القدامى… فقراء الوطن!

عاش المتقاعد حياة كريمة طيلة عقود طويلة وكان في نظر المجتمع إنساناً محترماً.. أذكر وأنا في العاشرة من عمري أن رجلاً كان قد خدم في الجيش الفرنسي مدة خمسة عشر عاماً، ثم أحيل على التقاعد براتب شهري يأكل منه ويشرب ويلبس هنداماً نظيفاً، يحسده على عيشه أهل القرية أغنيائها قبل فقرائها.

وظل هذا الوضع قائماً في المجتمع السوري حتى أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، إلى أن دخل الاقتصاد السوري في مسلسل التضخم النقدي والزيادات المتتالية في الأسعار، ثم جاءت بعد ذلك زيادات في الأجور والرواتب لاتتناسب مطلقاً مع زيادات الأسعار أو مع التضخم النقدي، وهي تؤذي المجتمع في اتجاهين:

1-توهم العاملين في الدولة أن رواتبهم قد زادت، لأنها فعلاً زادت في الحجم وانخفضت في القيمة الشرائية.

2 – تبرر الزيادات التي حصلت في الأسعار والزيادات التي ستحصل بعد صدور قرار الزيادة.

عدا أن الزيادات في الأسعار تطول جميع أبناء المجتمع بشكل منظم ومدروس، بينما تأتي الزيادة لأصحاب الرواتب فقط وتأتي عشوائية وبنسب تخدم كبار الموظفين وأصحاب الرواتب العالية ومن هم على رأس عملهم، وعموماً في غير صالح المتقاعدين، ما أدى إلى تنامي الفروق بين رواتب المتقاعدين والموظفين العاملين في الدولة، وحتى بين المتقاعدين أنفسهم، بين من تقاعد منذ عشر سنوات وبين من يتقاعد اليوم، رغم تساوي شروط التقاعد وهي المؤهل العلمي – سن التقاعد – عدد سنوات الخدمة، إلى أن أصبح راتب المتقاعد الحديث ضعفي راتب المتقاعد القديم، رغم تساوي شروط التقاعد.

لقد تحول المتقاعدون إلى شريحة فقيرة أضيفت إلى فقراء الوطن، وخاصة من دخل منهم في عمر يناهز السبعين، فقد تقهقر العزم وتزايدت الأمراض وعلل الشيخوخة ولا من معين، فالأولاد وإن كانوا موظفين عاجزون عن سد حاجات بيوتهم في هذا الجحيم من الغلاء والفساد.

إن الزيادات في رواتب المتقاعدين غير عادلة، لأنها لا تعتمد على أسس وقوانين صحيحة، فالمفروض أن يكون هناك سلم دائم يحافظ على:

1 – تساوي راتب المتقاعدين القديم والجديد إذا تساوت شروط التقاعد.

2 – أن تحافظ الزيادات على القدرة الشرائية لرواتب المتقاعدين.

وجميع الزيادات في الرواتب لم تأخذ هذه القضية بالحسبان.

إن معالجة موضوع رواتب المتقاعدين اليوم أصبحت ضرورة وطنية،  فالمواطنون الذين أمضوا شبابهم في خدمة الوطن، يجب أن يعيشوا شيخوخة محترمة، لا أن يصبحوا عالة على المجتمع والجمعيات الخيرية أو أجراء أو عمال خدمة، فقلما تجد آذناً في مكتب خاص أو سائق سيارة أجرة  أو طباخاً في مطعم أو صانعاً في مقهى أو مشقع أحذية أو غير ذلك من الأعمال الخدمية إلا ويكون متقاعداً، ومنهم من كان مديراً أو معلماً أو ضابطاً في الجيش والشرطة أو موظفاً مرموقاً، وذنبه أنه كان شريفاً في عمله ونظيفاً ولم يتطاول على المال العام، مع العلم أن أمثالهم من المتقاعدين (المحظوظين) يعيشون مرفهين ويركبون السيارات المطهمة و يسكنون الأحياء الراقية.

إن الأموال التي أودعها المتقاعدون عند الدولة، (أقصد اشتراكهم في التأمينات الاجتماعية) كان يجب أن يحافَظ على قيمتها بالذهب أو الدولار أو أية عملة صعبة، أو أن تشغل في معامل أو شركات وبنوك خاصة بالمتقاعدين، تدرّ عليهم مايعوضهم عن ويلات التضخم النقدي وتقيهم شرور الأزمات الاقتصادية والسياسية.

كما أن المنح المقدمة من السيد رئيس الجمهورية حتى تحقق غاياتها الإنسانية يفضل أن تكون مقطوعة، لأن المواطنين المتساوين في الواجبات، يجب أن يتساووا في الحقوق وخاصة المعيشية.

العدد 1105 - 01/5/2024