عام دراسي جديد يشوبه القلق والخوف

جميع الأطفال والتلاميذ الذين التقيتهم مؤخراً، سألتهم عن استعدادهم للعام الدراسي الجديد، فأجمعوا على إجابة واحدة تقريباً: كيف سنذهب إلى المدرسة والتفجيرات والقصف حاضر بشكل شبه يومي؟ كيف سنذهب إلى مدرسة فيها أناس التجؤوا إليها، لأنهم لا مكان آخر لهم يأوون إليه بعد أن خرجوا من بيوتهم بسبب العمليات العسكرية؟ ثم هل تسمح الحواجز العسكرية والأمنية لحافلة المدرسة بالمرور والوصول إليها..؟

هي أسئلة يطرحها الأهل أيضاً، وكذلك المعنيون بالعملية التعليمية من مدرسين وسواهم، إذ لا توجد منطقة في سورية بعيدة عن القصف والاشتباكات اليومية التي تعرقل مسيرة الحياة العادية للناس، فكيف بأطفال يفترض أن يستيقظوا على ترنيمة الحب من الأم، تستنهضهم بأمان، لأن عليهم الذهاب إلى مدارسهم يملؤهم الشعور بالفرح والاطمئنان، وأيُّ اطمئنان والحال على ما هي عليه؟

حاول وزير التربية في لقائه التلفزيوني مساء الأربعاء الماضي أن يخفف من وطأة الوضع القائم من أجل طمأنة الأهل والتلاميذ والمدرسين، وطرح بعض الحلول التي ستدفع بالحياة المدرسية قُدماً، وذلك بالتأكيد الحاسم أنه لا تأجيل لموعد افتتاح العام الدراسي مهما كانت الأسباب، وهذا بحدّ ذاته مقلق للغاية، لأن الوضع الأمني مازال يُلقي بظلاله وثقله على الحياة برمتها.

كذلك بالنسبة لوضع المدارس التي تغُصُّ بالنازحين وأطفالهم ممن لا يجدون مكاناً آخر يأويهم، وكيفية التعامل مع هذا الحال، إذ استقر الوزير على حل يجمع من خلاله النازحين في مدرسة واحدة من الحي، بحيث ينتقل طلاب هذه المدرسة إلى الدوام مؤقتاً بمدرسة أخرى، وهذا يفترض الدوام النصفي حكماً ولو مؤقتاً، وإن كان هناك شكٌّ بالمؤقت المجهول مداه.

وهنا علينا أن نُلقي الضوء على ما يفرضه الدوام النصفي على الأهل من جهة، وعلى التلاميذ من جهة أخرى.

على صعيد الأهل، سيعمل الدوام النصفي ولو مؤقتاً على خلخلة نظام الأسرة، لاسيما لدى الأم العاملة خارج البيت، خاصة أن معظم الأسر كانت قد رتّبت حياتها على دوام واحد تخرج فيه الأم لعملها برفقة أبنائها إلى مدارسهم، ويعودون معاً في أوقات متقاربة ظهراً. أما الآن فكيف ستكون الأمور، من سيكون مع الأطفال الذين عليهم الذهاب إلى المدرسة بعد الظهر والأم في عملها؟ من سيقوم بترتيبات تحضيرهم وخروجهم إلى المدرسة؟ وكيف تطمئن الأم على أطفالها وهم ذاهبون إلى مدارسهم وهي بعيدة عنهم؟ ألا يخلق هذا الوضع لدى الأهل قلقاً دائماً يتعرقل بسببه أداء الأم في عملها، وربما التسيّب الوظيفي لديها، وهذا بالتالي ما ينعكس سلباً على الجميع (الأهل وأصحاب العمل) بما قد يدفع الأم تحديداً لإهمال عملها أو تركه في ظل ظروف معيشية قاسية هي بأمسّ الحاجة فيها إلى مورد إضافي. إذاً الحالة بما هي عليه غير مجدية على الإطلاق، وعلى الوزارة إيجاد حلول بديلة لسير العملية التعليمية في بداية العام الدراسي.

أما على صعيد الأطفال والتلاميذ، فإن الدوام النصفي الطارئ سيتركهم في حالة من القلق والتسيّب والتشتت النفسي في ظل غياب الأم عنهم، وفي ظل وضع أمني غير مستقر، مما يجعل المدرسة عبئاً نفسياً ثقيلاً عليهم تضيع بسببه كل الجهود المبذولة من أجل تحصيل علمي جيد، خصوصاً أننا نعلم أن قابلية التلقي والتعلّم لدى الأطفال والتلاميذ جميعاً تنخفض في ساعات ما بعد الظهر، وهذا بالتالي سيدفع بهم إلى إهمال دراستهم وواجباتهم المدرسية في ظل عودتهم إلى البيت مساء بحيث لن يبقى من الوقت ما يكفي للراحة والدراسة والنوم.

طبعاً، هذا ما سيكون في المناطق شبه الآمنة من العاصمة أو مناطق أخرى لم تدخل حيّز الاشتباكات- وهي قليلة جداً-  فكيف سيكون الوضع في المناطق الساخنة بالنسبة لجميع أطراف العملية التعليمية (التلاميذ، الأهل، المدرسين) المشغولين أصلاً بما يجري في مناطقهم، الأمر الذي سيجعلهم حكماً غير آمنين لإرسال أبنائهم إلى المدارس، وكذلك المدرسون/ـات الذين لا يمكن أن يخاطروا بأمنهم وحياتهم للذهاب إلى مدارسهم والقيام بواجبهم تجاه التلاميذ، خصوصاً أننا نعلم أن معظم هؤلاء المدرسين قد يكونوا من خارج المنطقة التي توجد فيها مدارسهم.

إن مجمل هذه الأوضاع تفرض على الحكومة عامة، وعلى وزارة التربية خاصة إيجاد حلول بديلة تتماشى وتتلاءم مع الظروف الراهنة التي تمرُّ بها البلاد، بحيث يبقى أمن وأمان التلاميذ والمدرسين أوّلية أساسية في عمل الوزارة وقرارها عدم تأجيل موعد افتتاح العام الدراسي الجديد. 

العدد 1104 - 24/4/2024