الأنشطة اللاصفية… بطالة مقنعة أم ماذا؟

ألغيت مادة التربية العسكرية من المنهاج المدرسي، وحوّل كادرها البشري إلى موجهين في المدارس أو قائمين على الأنشطة اللاصفية، وكذلك المكاتب وأغلب التجهيزات المادية. وأنا هنا لن أخوض في مناقشة صوابية هذا القرار أو خطئه، بل مناقشة الواقع الجديد الذي نتج عن القرار، وطرح وجهة نظر.

حتى هذه اللحظة في أغلب المدارس يكون عمل مدرب الأنشطة اللاصفية مبهماً وغير واضح، فغالباً ما يضيف المدير مدربي الأنشطة اللاصفية إلى الكادر الإداري بقرار شخصي، للمساعدة في أي عمل إداري تحتاجه المدرسة، دون إجباره على ذلك، كأن يساعد الموجه في إدخال الطلاب إلى الصفوف وفرض النظام العام أو الأعمال الكتابية.

أما في الحالة العامة فيقوم مدربو الأنشطة اللاصفية بتنظيم الاجتماع الصباحي حتى دخول التلاميذ إلى الصفوف، وينتهي عملهم هنا، فيمضي وقت الدوام بكامله في التجول بين مكاتب الإداريين لقتل وقت الفراغ الممل. ومكاتب الأنشطة اللاصفية غالباً ما تبقى مغلقة أو تكون مكاناً للراحة وشرب الشاي، دون أية فعالية تذكر. وإذا كان هذا الواقع هو فعلاً ما نريده من الأنشطة اللاصفية، فلا يمكن أن يدرج إلا تحت البطالة المقنعة لمدربي التربية العسكرية الذين وجدناهم فجأة كتلة بشرية لا نعلم أين نذهب بها.

وإذا كان غير ذلك، فإننا منذ إنشاء ما نسميه بالأنشطة اللاصفية لا نعلم بالتحديد ما هو عملهم، وإن كان لهم عمل فعلاً، فإن الواقع يقول غير ذلك. وأعتقد أن هذه الكتلة البشرية يمكن أن تقوم بعمل هام وكبير يوازي أي عمل علمي يقوم به مدرسو أي اختصاص آخر أو يتفوق عليهم. إن ما نطمح إليه من خلال التربية هو خلق جيل متعلم مثقف واع إنساني.

إن المدرسة في وضعها الحالي تعد التلميذ علمياً بالدرجة الأولى، كي يستطيع أن يجد نفسه في سوق العمل أو إتمام دراسته الأكاديمية، وتغفل كثيراً من الجوانب المرتبطة بشخصيته كإنسان مثقف يرتاد المكتبات والمسارح ويسمع الموسيقا الراقية، ويتفهم الأعمال الفنية العظيمة. ومن المضحك المبكي أن نقوم بتقديم أي إحصائية حول ارتياد التلاميذ للأماكن الإبداعية والثقافية أثناء فترة وجودهم في المؤسسة التربوية التي تقوم بهذه الأعمال أو بعده. وأنا هنا لا أنفي التهمة عن وزارة الثقافة والمؤسسات التابعة لها، وكذلك لا أُحمّلها كل المسؤولية عن هذه المشكلة، فالتربية تتحمل المسؤولية الأكبر، لأن إدخال هذه الثقافة ضمن المنظومة الثقافية للأفراد يقع على عاتق وزارة التربية ومؤسساتها.. وأعتقد أن إسناد حل هذه المشكلة إلى القائمين على الأنشطة اللاصفية هو فكرة مقنعة وممكنة تسد الثغرة التربوية التي سبق أن تحدثنا عنها، وذلك بإقامة دورات لمدربي الأنشطة اللاصفية تؤهلهم للقيام بالأعمال التي نريدها من هذا المشروع وأهمها:

– تشجيع التلاميذ على ارتياد المكتبات والمراكز الثقافية، بالتعاون مع الهيئة التدريسية والإدارية والتنسيق مع وزارة الثقافة، عن طريق وضع آليات تشجيعية تجعل هذه الفكرة ممتعة وجذابة للتلميذ، والابتعاد نهائياً عن الطرق القسرية التي لا تراعي الوضع النفسي للتلميذ، والإشراف على إقامة معارض متنقلة للكتب تشارك فيها الوزارات المعنية بالأمر ودور النشر، بحيث تكون الكتب منتقاة تراعي اهتمامات المرحلة العمرية واحتياجاتها.

– يقوم مدربو الأنشطة اللاصفية بتنسيق العمل بين المسرح المدرسي ومديرية المسارح والموسيقا والمسرح القومي ودور السينما ودار الأوبرا والمعهد العالي للموسيقا والمعهد العالي للمسرح، وحتى المسارح الخاصة والمعاهد الخاصة للموسيقا والفرق الفنية لإقامة حفلات بأجور رمزية أو مجانية تراعي المرحلة العمرية للفئة المستهدفة بالنشاط من حيث الجدية والمتعة والفكرة التي نريد إيصالها، والصيغة التي تشجع الطالب على ارتياد هذه الأماكن بشكل تلقائي، وصرف بطاقات خاصة للتلاميذ من أجل حصولهم على حسم من أسعار التذاكر عند ارتيادهم لها بشكل فردي في أي وقت، كي ندخلها إلى منظومتهم الثقافية.

– ينظم مدربو الأنشطة اللاصفية رحلات اطلاعية إلى المناطق الأثرية بإشراف مدرس مادة التاريخ الذي يكون قد حضّر لهذه الرحلة محاضرة أو شرحاً وافياً، حول الموقع الأثري المقصود، وترسيخ فكرة الاعتزاز بتاريخ الوطن والاطلاع عليه بشكل ملموس ورحلات علمية إلى المنشآت الصناعية العامة أو الخاصة بمرافقة المدرس المختص، بالتنسيق مع الوزارة التي تتبع لها المنشأة الصناعية، وكذلك رحلات ترفيهية إلى أماكن سياحية تعطي الطالب فكرة عن الأماكن السياحية وجغرافية البلد مع شرح من مدرس الجغرافيا عن الأماكن المستهدفة وخط سير الرحلة.

– تنظيم زيارات جماعية إلى معـارض الرسم والنحت والأعمال اليدوية بمرافقـة مدرسي الفنون، لتوضيح الهـدف السامي لهذه الفنون، وتشجيـع الطـلاب على ارتيادها منفردين أو مجتمعين وإيجاد علاقة جيدة مع كلية الفنون الجميلة والمعاهد الفنية، لإدخال هذا الفن ضمن المنظومة الثقافية للطالب من ناحية متابعة الأعمال الإبداعية أو المشاركة فيها.

– الإشراف على الطلبة الموهوبين والمتفوقين بجميع المجالات الإبداعية (أدب،فن، موسيقا.. إلخ)، والأخذ بيدهم وتمهيد الطريق أمامهم لإظهار إبداعاتهم، وتشجيعهم على المتابعة في تطوير تلك الإبداعات وربطهم بالهيئات والجهات التي تعنى بهذه الفنون.

– تشجيع التلاميذ على الانتماء إلى الجماعات والهيئات التي تعنى بالبيئة (نظافة، حدائق، طبيعة.. إلخ). وكذلك إلى الجماعات التي تعنى بالتوعية الصحية وجميع الأنشطة الإنسانية عن طريق إبراز دورها وأهميتها في بناء الوطن والإنسان.

إن ما ذكرناه سابقاً لايكفي بالتأكيد لبناء الجيل الذي نطمح إليه، ولكن قد يساهم في هذا البناء.. فهذه الأفكار إذا أضيفت إلى مجموع الأفكار التي طرحت أو قد تطرح مجتمعة، قد تكون صياغة لهدف إنساني وإبداعي من أهداف التربية التي نصبو إليها ونريدها في المنظومة الثقافية للمجتمع الجديد في سورية الحديثة.

العدد 1104 - 24/4/2024