المعلم.. يا سيادة الوزير!

تشكلت الحكومة الجديدة، واستلم حقيبة التربية وزير جديد هو  الدكتور هزوان الوز، وهو مدير التربية السابق بدمشق، أي أنه يملك الخبرة في مجال إدارة المؤسسات التربوية. إضافة إلى ذلك يحمل شهادة عليا في  الاختصاص نفسه. ما نريد أن نقوله هنا أن الوزير الجديد يجمع بين الخبرة والمستوى الأكاديمي العالي. وبناء على ذلك فإن المطلوب منه أكبر بكثير مما كان مطلوباً من غيره. ولكن المواطن والوطن لا يهتمان بهذا بقدر ما يهتمان بالمشروع التربوي والإنجازات التي تؤثر في حياة المواطن وترفع من شأن الوطن. ولأن القصة القديمة هي ذاتها، وفي كل وزارة جديدة يكون شخص الوزير هو العامل الحاسم في أداء الوزارة، وهذا ليس في التربية فقط، بل في جميع الوزارات ومفاصل القرار، فإنه من الواجب على كل من لديه فكرة أو مشروع أو نقد بناء أن يعلنه بشكل حضاري وموضوعي، مبني على أساس علمي واضح.. وعلى السيد الوزير وجميع من هم في مفاصل القرار أن يستمعوا لكل الآراء والمشاريع، وأن يقيّموها تقييماً موضوعياً وبمقاييس علمية.. فنحن عندما نقترح رأياً أو فكرة، لا ندعي أننا نعرف كل شيء، وكذلك لا يستطيع أحد ما أن يقول إننا لا نعرف شيئاً. فالتربية تنهض بالأفكار البناءة التي يقدمها جميع أبناء الوطن، بغض النظر عن سوياتهم العلمية أو مناصبهم الإدارية، ولسوف تؤثر على التربية مما ينعكس على جميع مناحي الحياة.

ومتابعة لمجموعة المقالات التي نُشرت في جريدة (النور)، أود أن أسلط الضوء هنا على المعلّم.. فالمعلم قائد ومنفذ للعملية التربوية برمتها.. فهو ينفذ الخطط التي تعتمدها القيادات التربوية ويطبق النظريات التي يضعها خبراء التربية ومنظروها وتعتمدها القيادات السياسية. ودون المعلم الجيد الذي يتقن تطبيق ما ذكر تبقى هذه الأفكار والقرارات حبراً على ورق. وكنت قد فرقت في مقالة سابقة بعنوان (المعلم القائد والمعلم القاعد) بين نوعين من المعلمين.

وبما أن التلميذ هو محور العملية التربوية برمتها، ولأن غاية التربية هي صنع جيل مثقف واع مدرك لقضايا أمته مؤمن بالحوار محب لوطنه يتمتع بشخصية إنسانية يستطيع أن يقدم الفائدة لنفسه ولمجتمعه وللإنسانية، ويستطيع التعامل مع منتجات التكنولوجيا وتطويرها والإبداع في جميع مجالات العلوم، فإنه لزاماً علينا أن نقدم له معلماً يتمتع بتلك الصفات نفسها وأكثر منها. لأن المعلم كقائد ومنفذ للخطط هو الحلقة الأخطر في تلك السلسلة، لأنه يتعامل مع التلميذ مباشرة، والتلميذ لا يعرف ولا يهتم أصلاً بالنظريات التربوية، فهي تؤثر عليه من خلال المعلم الذي ينفذها ويدخلها في المنظومة الثقافية والفكرية للتلميذ وتتحول بالنتيجة إلى سلوك عام.

ومن المتفق عليه أن أفضل وسيلة لتطوير التعليم هي تحسين المنهاج والتطوير الدائم له، ولكن هذا التطوير يفقد فائدته دون معلم يستطيع نقله إلى التلاميذ بالشكل الذي وضع المنهاج لأجله، فأحدث سيارة في العالم يمكن أن يدمرها سائق فاشل ويقتل من بداخلها.

وأنا هنا لا أضع اللوم على المعلم. فالمعلم السوري عموماً مشهود له بالوطنية والقدرة على الإبداع عندما يوضع في ظروف ملائمة. ومن ميزاته أنه ميال للتميز، وهذا ليس رأياً شخصياً، بل هو مبني على آراء التربويين داخل سورية وفي الدول التي يذهب إليها المعلمون للعمل فيها في المجال التربوي.. إذاً أين هي المشكلة؟

العملية التربوية في سورية تعاني مشكلات كبيرة نوعية وكمية، فالأمية المنتشرة وضعف البحث العلمي والتسرب المدرسي والفساد وغياب الأفكار الإبداعية في جميع مجالات الحياة هي مشكلات للتربية دور هام فيها. وأعتقد أن دور المعلم هو الدور الأبرز، فهذا التناقض الكبير بين الواقع وما يحلم به المعلم وحرصه على إنجاح العملية التربوية وبناء الوطن يحتاج إلى بحث وتسليط ضوء قوي عليه. فمن تجربتي الشخصية وجدت أن أكثر ما يتحدث به المعلمون ويتناقشون هو كيفية النهوض بالعملية التربوية والوطن، والجميع متفق على أنه يجب حل المشاكل التي ذكرناها سابقاً. ومع ذلك فالنتائج غير مرضية وكل الإحصاءات والدراسات تؤكد ذلك.

ومن تشخيص واقع المعلم ودوره المحوري والأساسي في الوصول إلى الهدف الرئيسي من العملية التربوية برمتها كقائد ومنفذ للخطط التربوية المطلوبة الذي يعرفه الجميع، سأقترح ما قد يساهم في حل هذه المشكلات:

– إعادة النظر في الدخل الشهري للمعلم ومنحه التفرغ العلمي حتى يجد الوقت الكافي للبحث وتحسين أدائه داخل الصف، مما يساهم في رفع سويته العلمية والتربوية ومكانته الاجتماعية.

– إلزامه بدراسة دبلوم التأهيل التربوي واعتباره شرطاً لقبوله في مجال التدريس، أو إنشاء كليات تربوية اختصاصية تدرس الاختصاص العلمي، مضافاً إليها مواد تربوية أسوة بالكثير من الدول التي تعتمد هذا النظام.

– تخصيص حصة مكتبية أسبوعية يقضيها المعلم في مكتبة المدرسة، يتعامل فيها مع التلاميذ رواد المكتبة، ترسخ ثقافة المطالعة وارتياد المكتبات عند التلميذ والمعلم.

– تفعيل استراتيجية التربية المستمرة في جميع المراحل والتركيز عليها.

– التركيز في وسائل الإعلام على دور المعلم ومكانته الاجتماعية، والابتعاد عن تصوير واقعه على أنه بائس وسلبي والذي كثيراً ما تظهره به.

– منع المعلم من القيام بأعمال لا تتناسب مع مكانته الاجتماعية والعلمية، وهو غالباً ما يضطر إليها من أجل تحسين مستواه المعيشي، بعد أن نكون قد وفرنا له البديل المناسب.

– تأكيد المظهر اللائق للمعلم بمنحه بدل لباس أو صرف لباس شتوي وصيفي، وليس ضرورياً أن يكون موحداً بل لائقاً.

– خضوع المعلم لاختبارات كفاءة كل أربع سنوات يقيّم أداءه بناء عليها ووضع آليات جدية للتعامل مع حالات تدني المستوى العلمي والتربوي وآليات تحفيزية لتحسين المستوى.

– إعادة النظر بشكل كامل في نظام التوجيه الاختصاصي والتربوي الحالي، ووضع نظام جديد يستطيع أن يحقق أعلى نسبة متابعة لمساعدة المعلم على الارتقاء بالعملية التربوية.

– إلزام المعلم بحضور محاضرات يلقيها اختصاصيون تُوضّح فيها مجموعة من الأفكار بشكل مكثف تحوي الإجابة عن الأسئلة التالية:

+ لماذا وضع المنهاج هكذا؟ ما هي الفلسفة التي وضع المنهاج على أساسها؟ وإيضاح المعايير لكل مادة بشكل واضح.

+ ما هي الشخصية التي نريد أن تكون عليها مخرجات العملية التربوية؟

+ ما هي البدائل التي يعتمدها المعلم أثناء مواجهة مشكلة أو معوق ما؟ ويناقش فيها الأفكار الإبداعية للحضور، بحيث تربط الفكرة الجديدة المبتكرة باسم صاحبها.

وأنا هنا لا أدعي أنني قد أحطت إحاطة كاملة بهذه المشكلة من خلال المقترحات، بل أترك الباب مفتوحاً لكل من لديه فكرة متفقة معي أو مختلفة أو جديدة ليطرحها، فلعلنا نرسم معاً مستقبلاً أجمل لأبنائنا ونضع حجراً في بناء الوطن.

تشكلت الحكومة الجديدة، واستلم حقيبة التربية وزير جديد هو  الدكتور هزوان الوز، وهو مدير التربية السابق بدمشق، أي أنه يملك الخبرة في مجال إدارة المؤسسات التربوية. إضافة إلى ذلك يحمل شهادة عليا في  الاختصاص نفسه. ما نريد أن نقوله هنا أن الوزير الجديد يجمع بين الخبرة والمستوى الأكاديمي العالي. وبناء على ذلك فإن المطلوب منه أكبر بكثير مما كان مطلوباً من غيره. ولكن المواطن والوطن لا يهتمان بهذا بقدر ما يهتمان بالمشروع التربوي والإنجازات التي تؤثر في حياة المواطن وترفع من شأن الوطن. ولأن القصة القديمة هي ذاتها، وفي كل وزارة جديدة يكون شخص الوزير هو العامل الحاسم في أداء الوزارة، وهذا ليس في التربية فقط، بل في جميع الوزارات ومفاصل القرار، فإنه من الواجب على كل من لديه فكرة أو مشروع أو نقد بناء أن يعلنه بشكل حضاري وموضوعي، مبني على أساس علمي واضح.. وعلى السيد الوزير وجميع من هم في مفاصل القرار أن يستمعوا لكل الآراء والمشاريع، وأن يقيّموها تقييماً موضوعياً وبمقاييس علمية.. فنحن عندما نقترح رأياً أو فكرة، لا ندعي أننا نعرف كل شيء، وكذلك لا يستطيع أحد ما أن يقول إننا لا نعرف شيئاً. فالتربية تنهض بالأفكار البناءة التي يقدمها جميع أبناء الوطن، بغض النظر عن سوياتهم العلمية أو مناصبهم الإدارية، ولسوف تؤثر على التربية مما ينعكس على جميع مناحي الحياة.

ومتابعة لمجموعة المقالات التي نُشرت في جريدة (النور)، أود أن أسلط الضوء هنا على المعلّم.. فالمعلم قائد ومنفذ للعملية التربوية برمتها.. فهو ينفذ الخطط التي تعتمدها القيادات التربوية ويطبق النظريات التي يضعها خبراء التربية ومنظروها وتعتمدها القيادات السياسية. ودون المعلم الجيد الذي يتقن تطبيق ما ذكر تبقى هذه الأفكار والقرارات حبراً على ورق. وكنت قد فرقت في مقالة سابقة بعنوان (المعلم القائد والمعلم القاعد) بين نوعين من المعلمين.

وبما أن التلميذ هو محور العملية التربوية برمتها، ولأن غاية التربية هي صنع جيل مثقف واع مدرك لقضايا أمته مؤمن بالحوار محب لوطنه يتمتع بشخصية إنسانية يستطيع أن يقدم الفائدة لنفسه ولمجتمعه وللإنسانية، ويستطيع التعامل مع منتجات التكنولوجيا وتطويرها والإبداع في جميع مجالات العلوم، فإنه لزاماً علينا أن نقدم له معلماً يتمتع بتلك الصفات نفسها وأكثر منها. لأن المعلم كقائد ومنفذ للخطط هو الحلقة الأخطر في تلك السلسلة، لأنه يتعامل مع التلميذ مباشرة، والتلميذ لا يعرف ولا يهتم أصلاً بالنظريات التربوية، فهي تؤثر عليه من خلال المعلم الذي ينفذها ويدخلها في المنظومة الثقافية والفكرية للتلميذ وتتحول بالنتيجة إلى سلوك عام.

ومن المتفق عليه أن أفضل وسيلة لتطوير التعليم هي تحسين المنهاج والتطوير الدائم له، ولكن هذا التطوير يفقد فائدته دون معلم يستطيع نقله إلى التلاميذ بالشكل الذي وضع المنهاج لأجله، فأحدث سيارة في العالم يمكن أن يدمرها سائق فاشل ويقتل من بداخلها.

وأنا هنا لا أضع اللوم على المعلم. فالمعلم السوري عموماً مشهود له بالوطنية والقدرة على الإبداع عندما يوضع في ظروف ملائمة. ومن ميزاته أنه ميال للتميز، وهذا ليس رأياً شخصياً، بل هو مبني على آراء التربويين داخل سورية وفي الدول التي يذهب إليها المعلمون للعمل فيها في المجال التربوي.. إذاً أين هي المشكلة؟

العملية التربوية في سورية تعاني مشكلات كبيرة نوعية وكمية، فالأمية المنتشرة وضعف البحث العلمي والتسرب المدرسي والفساد وغياب الأفكار الإبداعية في جميع مجالات الحياة هي مشكلات للتربية دور هام فيها. وأعتقد أن دور المعلم هو الدور الأبرز، فهذا التناقض الكبير بين الواقع وما يحلم به المعلم وحرصه على إنجاح العملية التربوية وبناء الوطن يحتاج إلى بحث وتسليط ضوء قوي عليه. فمن تجربتي الشخصية وجدت أن أكثر ما يتحدث به المعلمون ويتناقشون هو كيفية النهوض بالعملية التربوية والوطن، والجميع متفق على أنه يجب حل المشاكل التي ذكرناها سابقاً. ومع ذلك فالنتائج غير مرضية وكل الإحصاءات والدراسات تؤكد ذلك.

ومن تشخيص واقع المعلم ودوره المحوري والأساسي في الوصول إلى الهدف الرئيسي من العملية التربوية برمتها كقائد ومنفذ للخطط التربوية المطلوبة الذي يعرفه الجميع، سأقترح ما قد يساهم في حل هذه المشكلات:

– إعادة النظر في الدخل الشهري للمعلم ومنحه التفرغ العلمي حتى يجد الوقت الكافي للبحث وتحسين أدائه داخل الصف، مما يساهم في رفع سويته العلمية والتربوية ومكانته الاجتماعية.

– إلزامه بدراسة دبلوم التأهيل التربوي واعتباره شرطاً لقبوله في مجال التدريس، أو إنشاء كليات تربوية اختصاصية تدرس الاختصاص العلمي، مضافاً إليها مواد تربوية أسوة بالكثير من الدول التي تعتمد هذا النظام.

– تخصيص حصة مكتبية أسبوعية يقضيها المعلم في مكتبة المدرسة، يتعامل فيها مع التلاميذ رواد المكتبة، ترسخ ثقافة المطالعة وارتياد المكتبات عند التلميذ والمعلم.

– تفعيل استراتيجية التربية المستمرة في جميع المراحل والتركيز عليها.

– التركيز في وسائل الإعلام على دور المعلم ومكانته الاجتماعية، والابتعاد عن تصوير واقعه على أنه بائس وسلبي والذي كثيراً ما تظهره به.

– منع المعلم من القيام بأعمال لا تتناسب مع مكانته الاجتماعية والعلمية، وهو غالباً ما يضطر إليها من أجل تحسين مستواه المعيشي، بعد أن نكون قد وفرنا له البديل المناسب.

– تأكيد المظهر اللائق للمعلم بمنحه بدل لباس أو صرف لباس شتوي وصيفي، وليس ضرورياً أن يكون موحداً بل لائقاً.

– خضوع المعلم لاختبارات كفاءة كل أربع سنوات يقيّم أداءه بناء عليها ووضع آليات جدية للتعامل مع حالات تدني المستوى العلمي والتربوي وآليات تحفيزية لتحسين المستوى.

– إعادة النظر بشكل كامل في نظام التوجيه الاختصاصي والتربوي الحالي، ووضع نظام جديد يستطيع أن يحقق أعلى نسبة متابعة لمساعدة المعلم على الارتقاء بالعملية التربوية.

– إلزام المعلم بحضور محاضرات يلقيها اختصاصيون تُوضّح فيها مجموعة من الأفكار بشكل مكثف تحوي الإجابة عن الأسئلة التالية:

+ لماذا وضع المنهاج هكذا؟ ما هي الفلسفة التي وضع المنهاج على أساسها؟ وإيضاح المعايير لكل مادة بشكل واضح.

+ ما هي الشخصية التي نريد أن تكون عليها مخرجات العملية التربوية؟

+ ما هي البدائل التي يعتمدها المعلم أثناء مواجهة مشكلة أو معوق ما؟ ويناقش فيها الأفكار الإبداعية للحضور، بحيث تربط الفكرة الجديدة المبتكرة باسم صاحبها.

وأنا هنا لا أدعي أنني قد أحطت إحاطة كاملة بهذه المشكلة من خلال المقترحات، بل أترك الباب مفتوحاً لكل من لديه فكرة متفقة معي أو مختلفة أو جديدة ليطرحها، فلعلنا نرسم معاً مستقبلاً أجمل لأبنائنا ونضع حجراً في بناء الوطن.

العدد 1104 - 24/4/2024