الاكتئاب هبوط في التوتر العصبي أو السيكولوجي

(لا وجود للكسالى.. ولا وجود إلا للمرضى).. فالاكتئاب، إذن حد عام كل العمومية، إنهُ عنوان يمكن أن يغطي سلسلة برمتها من الحالات، وهذه الحالات أسماء خاصة: كالوهن والوهن العصبي والوهن النفسي والوسواس والفصام والهوس الاكتئابي.

تعدّدُ أعراض الاكتئاب كبير إذن، وقد يكون لهُ أساس جسمي صرف، إضافة إلى ظاهرات سيكولوجية تصاحبهُ، ومن الناحية الجسمية كذلك فإن اليأس قد يثير الاكتئاب أحياناً. ذلك أن التربة ذات الاستعداد المسبق هامة دائماً، فقد يكون عضوياً: كالتوتر العصبي أو سيكولوجياً، وعندئذ يستخدم اليأس قاطعة ويثير وضعاً كان موجوداً منذ زمن طويل في حالة كمون.

يعرف المكتئب بسهولة من هيئتهِ، إنه يبدو مغموماً، خاملاً، تقلصت استجاباته الحركية إلى حدها الأدنى، يتعبهُ أسهل الأعمال وأوجاع رأس وهبوط في ضغط الدم، وملل فائق الحد وتعذر التركيز، حزن دونما سبب ظاهر، فقدان الإرادة.

يقول الكاتب السويسري إميل هنري فريدريك ضمن كتاباته حول (قلق إزاء الحياة):(إنني أستطيع أن أحب، وأحلم، وأتعلم، وأفهم، أستطيع كل شيء شريطة أن أعفى من الإرادة).

ربما كانت الإرادة هي الصعوبة الكبيرة بالنسبة إلى المكتئب، ولكن هذا العجز يبرز بصورة خاصة في مرحلة الانتقال من الفكرة إلى الفعل، إنه يرغب في أن يفعل هذا الأمر رغبة جامحة في غالب الأحيان، ولكن تحقيق هذه الرغبة يبقى حبراً على ورق.

فالإرادة لا تنطق، والعطالة تتغلب، ثم تبدو رغبة أخرى وأخرى، إنهُ وابل حقيقي من الرغبات.

(سأفعل هذا حالاً….سأفعل ذلك غداً…).

ومع ذلك فلن يفعل حالاً ولا غداً، ذلك أن الإرادة لا تتحرك لتحقيق الفكرة، ويشهد المرء تشتتاً حقيقياً في الإرادة التي تتجزأ إلى قطع صغيرة لا يبقى منها شيء لإنجاز العمل.

ما هو علاج فقدان الإرادة؟ إنه ظاهرة من ظاهرات الاكتئاب، وليس الاكتئاب ذاتهِ. فإذا زال الاكتئاب تبعه زوال فقدان الإرادة، ومع ذلك فلنعلم أمراً:(لا وجود للكسالى، ولا وجود إلا للمرضى). ذلك أمر حقيقي بصورة أساسية، فالوظيفة الإنسانية هي العمل والإرادة، لأن العضلات هي التي تقود العمل، ولأن الجملة العصبية هي التي تطلق الإرادة ولذلك لا بد من أن يكون كل منها في حالة جيدة.

فمنذ أن يبدو(الكسل) على شخص من الأشخاص، طفلاً كان أم راشداً، لابد من البحث مباشرة عن السبب، ذلك أن هذا الكسل عرض ينشأ إما من قصور جسمي أو عصبي، وإما من ألم سيكولوجي.

فإعادة العمل والإرادة إلى من يفقدها تعني أن نؤمّن لهً توازناً جديداً.

إضافة إلى الحالات التي تصاحب الاكتئاب: كالسوداوية، أي حزن دائم وعميق. كذلك فقدان الشهية، والخوف من الجنون، هذا ما يحصل لدى المكتئبين. إنه وسواس حقيقي لاسع لا يرحم، حتى إن التفوه بكلمة جنون جهد يتعذر أن يذلَلَه المكتئبون الذين لا يجرؤون على قراءة أي مقالة ذات علاقة بالاغتراب العقلي، ولا على رؤية أي فلم يعرض عنه.

من المعلوم أن المكتئب يحس بفراغ في دماغهِ، وبأنهُ عاجز عن(لملمة أفكارهِ). فأفكارهِ ضبابية في الغالب. إنهُ لمن المنطقي إذن أن يسيطر عليه وسواس التعب الدماغي، وأن يعتقد بأن هذا التعب يقوده إلى الجنون.

يمكن القول: إذا لمْ يحدث التكيّف من الشخص نفسهِ والتغلب على العوائق، عندئذ يبقى الشخص مثبتاً على الحدث نفسه، ويتصرف في الزمن الحالي بانفعالات تعود إلى الزمن الماضي.

فيجب تشخيص الحالة والاعتراف بها للتكيف معها وذوبانها في مستودع شخصيتنا العامة، ولا مناص من البحث عن سائر الأوضاع التي لمْ تتم تصفيتها لدى المكتئب مهما كان الزمن الذي ترجع إليه في الماضي بعيداً.

العدد 1107 - 22/5/2024