وللرجل «الحاضر الغائب» متاعبه وهمومه

لا شك أن لوجود الرجل/ الأب في حياة الأسرة دوراً بالغ الأهمية في مختلف النواحي العاطفية والتربوية والاجتماعية، دوراً لا يقلُّ أهمية عن وجود الأم، فهو يمنح الأسرة الأمان والطمأنينة، بقدر ما يمنحها قدوة يحتاجها الأطفال لا شعورياً، قدوة يستمدون منها المعايير والأخلاق والعواطف خلال مراحل نموّهم المختلفة، إضافة إلى توازنهم الداخلي الذي يعززه تفاعل الأب مع متطلباتهم النفسية ومشاركتهم ألعابهم وشغبهم كما همومهم ومشاكلهم الناشئة بفعل تقدّم أعمارهم (المراهقة مثلاً). ورغم ضرورة حضوره الداعم والفاعل، إلاّ أن ضغوط الوضع الاقتصادي المتردي الذي فرض نفسه على جميع الشرائح والبيئات- بفعل السياسات الاقتصادية السيئة قبل اندلاع الأزمة الحالية- كان قد فرض على الرجل بالذات القيام بأكثر من عمل على مدار اليوم من أجل تأمين متطلبات الحياة والأبناء، رغم عمل الأم المأجور في غالبية الأُسر إن كان داخل البيت أو خارجه، الأمر الذي جعل حضور الأب في حياة الأبناء حضوراً صورياً- مادياً. أي أن لهؤلاء الأبناء أباً موجوداً على قيد الحياة من أجل تأمين احتياجاتهم المادية لا أكثر، حضور هلامي نفسياً وتربوياً لم يعد معه الأب قدوة ولا داعماً ولا مربيّاً. مما ترك آثاره النفسية السلبية على الأب وعلاقته بالأبناء من جهة، وعلى الزوجة التي تضاعفت مسؤولياتها التربوية والاجتماعية والمهنية من جهة أخرى، حتى باتت العلاقة مع الزوج/ الأب محكومة على الغالب بتوتر اغتال كل مشاعر المحبة والألفة والاحترام.

هذا على صعيد الرجل- الأب، أما على صعيد الشباب، فقد تراكمت همومهم التي اغتالت كل طموحاتهم وأحلامهم في إيجاد العمل وتأمين البيت والزواج وصولاً إلى الاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي، مما تركهم نهباً للنوازع والأفكار والممارسات السلبية التي أفضت بالكثير منهم إلى الانحلال والضياع في متاهات الإدمان أو الإجرام، أو العُقد النفسية والاجتماعية الخطيرة.

أمّا اليوم، وفي ظل الأزمة السياسية التي فرضت حضورها الضاغط على الجميع، وفي كل الاتجاهات، فقد باتت الهموم والضغوط مضاعفة أكثر مما كانت عليه سابقاً، حيث الكثير من الأسر والأبناء المشردين في بقاع ربما يجهلها الأب، أو لا يستطيع الوصول إليها لأسباب متعددة، عدا الفجيعة التي أصابت الكثير من الآباء بمقتل أو اعتقال بعض الأبناء، ناهيك بتشرّد أو فرار البعض الآخر وهجرتهم خارج البلاد، ما ترك في النفس والروح جراحاً لا تندمل، إضافة إلى مقتل أو تشرد أو اختطاف واغتصاب الكثير من الزوجات والبنات، الأمر الذي خلّف وراءه مشاعر مختلفة من الحزن والانهيارات العصبية والنفسية. عدا الإحساس بالعار والخوف من الفضيحة بسبب الذهنية المجتمعية التي تُعلّق الشرف بأكمله على أكتاف المرأة وطبيعة ظروفها وسلوكها في الأوقات الطبيعية، فكيف بنا في هذه الظروف العصيبة التي مزّقت المجتمع على جميع المستويات والشرائح. هذا كله بعيداً عن فقدان الرجل لعمله وبيته الذي أمضى فيه عمراً بأكمله من أجل تأسيسه وتأثيثه، حتى بات في العراء هو وأسرته منكوباً مهزوماً مشرداً في أفضل الحالات عند المعارف أو الأقارب، ما أشعره بالعجز والخذلان والخيبة، حتى بتنا نرى دموع غالبية الرجال فيّاضة مدرارة على الرغم من تربية اجتماعية عززت على الدوام مقولة أن دموع الرجل عزيزة مُعيبة، لأنه قويٌّ عصيّ الدمع شيمته الصبر!

من هنا نجد أن للرجل في مختلف الظروف والحالات الطارئة والعادية هموماً ومتاعب لا تقلُّ إن لم تُزِد عن هموم المرأة في ظل مفاهيم وقيم اجتماعية- دينية تجعل منه السيد المطلق في الحقوق والواجبات وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية. فهو المورد الاقتصادي الأساسي للأسرة زوجاً وابناً وأخاً، إضافة إلى أنه الولي والملاذ الآمن للجميع، مما يتطلب من المرأة، لاسيما في ظروفنا الراهنة، تعاملاً إيجابياً ومواقف مؤازِرة له على المستوى النفسي والمادي والاجتماعي، وهذا طبعاً ليس بغريب أو طارئ على غالبية نساء مجتمعنا اللواتي أثبتن ماضياً وحاضراً جدارتهن وفاعليتهن على مختلف المستويات والمسؤوليات المنوطة بهنّ.

العدد 1105 - 01/5/2024