المواطنة حقوق وواجبات

يعود تاريخ المواطنة إلى دولة أثينا  اليونان، حيث ظهرت بشكلها المبكّر في التاريخ القديم بنحو أربعة قرون قبل الميلاد مع ازدهار الحضارة الإغريقية، ونشوء الدولة  المدينة. واقتصرت صفة المواطنة على الرجال الذين تجاوز عمرهم الثلاثين عاماً فقط.

أما النساء والأطفال والعبيد فلم يكن لهم حقوق المواطنة.

والأمر نفسه كان سائداً أيام الإمبراطورية الرومانية القديمة، مع اهتمامها الخاص بالحقوق السياسية للمواطن.

وقد تبلور مفهوم المواطنة في العصر الحديث نتيجة الأفكار التي انبثقت عن النهضة الأوربية، ولم تظهر بالمعنى الليبرالي إلا في القرن الثامن عشر، عندما بشّر المفكرون الغربيون بأفكار الحرية والديمقراطية والمساواة.

وبعد الثورتين الفرنسية والأمريكية، أصبح للمواطنة مفهومها الأوسع أي: المواطنة للجميع. وكان أساس النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو المواطن الفرد الحر.

في الشرق العربي أيضاً كانت هناك الدولة  المدينة التي لها تنظيماتها ومواطنوها: في سورية أفاميا وأوغاريت وتدمر، وفي اليمن وغيرها.. من الدول  المدينة ولها مواطنة.

المواطنة في العالم العربي:

لم يكن اصطلاح المواطنة موجوداً في اللغة العربية قديماً. بل وُجد وانتشر في هذه البلدان في عصر النهضة تقليداً للغرب (أوربا وأمريكا) وما في ذلك ضير. ثم تطور مضمون المواطنة.

تعريف المواطنة

يتحدد التعريف بأمرين:

1 الانتماء إلى الوطن إلى أرض بعينها.

2 الهوية.

فالمواطن هو الذي يعزز فيه الانتماء إلى الأرض التي هي الوطن. والهوية هي اللغة والمضمون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي والقيمي لسكان هذا الوطن.

حقوق المواطنة وواجباتها:

يترتب على المواطنة حقوق وواجبات:

حقوق المواطنة: أن توفر الدولة أو الوطن للمواطن حق الحياة، الأمن، العمل حق تكفل الدولة توفيره لكل مواطن قادر عليه. الصحة، التعليم، العيش الكريم، وكل احتياجاته الضرورية.

المواطنون سواسية أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي والديني.

تكافؤ الفرص لجميع المواطنين مضمون في حدود القانون.

بمعنى أن تؤمّن له جميع الحقوق بما يقتضيه مفهوم حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي عام 1948  ويكون بين المواطنين عقد اجتماعي. وحسب روسو ينبثق عنه دستور يحدد آلية الحياة.

أما واجبات المواطنة فهي:

1 الولاء للوطن، والدفاع عنه واجب مقدس.

2 تأدية الخدمة الإلزامية العسكرية التي ينظم القانون طريقة أدائها.

3 دفع الضرائب المتوجبة، والحقوق الأخرى للدولة.

وتنضوي تحت حقوق المواطنة مجموعات ثلاث:

1 حقوق مدنية: الملكية، العلاقات المدنية بالارتباط مع الآخرين.

2  حقوق سياسية وتتمثل بتشكيل الأحزاب والجمعيات، وانتخاب ممثلي المواطنين، وحرية التعبير عن الرأي.. إلخ.

3 حقوق المشاركة في بناء الدولة:

هيكليتها وتوجهاتها والتنمية فيها، وتحديد مستقبلها والمشاركة في التوجهات الأساسية في البلاد وفي تطورها.

يشترط بالمواطنة أن تتناغم مع مبدأ المساواة، فلا مواطنة بلا مساواة في كل شيء: الحقوق للجميع والواجبات على الجميع، أي المساواة في القانون والمساواة بين الغني والفقير وغيره من العوامل التي تجمع الناس مواطنين، بمعنى أن يتوفر استيعاب فكري وقبول نفسي وإلزام قانوني بمبدأ المواطنة، وتسليم بالحقوق والواجبات السياسية المترتبة عليها لدى كل الأطراف المؤثرة. وإلا فإن الممارسة الديمقراطية لن يكون لها نصيب في النجاح.

ومن هنا لا علاقة للأديان بالمواطنة وليس هناك مساواة بين معتنقي الأديان، إذا كان النظام السياسي قائماً على أساس ديني، لأنه لا يوجد فيه مواطنة.

وقد حاولت تيارات الإسلام السياسي أن تضع مفهوماً جديداً للمواطنة يتمثل في أن الرابط الأساسي لها هو العقيدة، وبالتالي فمن غير املهم في مفاهيم المواطنة وشروطها الأرض واللغة والهوية والتقاليد والعيش المشترك، والمصالح المشتركة، حسب التيار الإسلامي السياسي. ولكن الواقع يؤكد أن هذا التعريف للمواطنة هو تعريف افتراضي لأنه يعتمد على عامل العقيدة الدينية، وهذه لا تكفي لأن تكون رابطاً مشتركاً بين المواطنين.

وعلى ذلك فقد غيّر التيار الإسلامي موقفه في مطلع القرن العشرين وفي آخره، وتناقضت في ذلك أفكار مرشديه: حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، مع أفكار السيد قطب وأبو الأعلى المودودي وغيرهم في هذا المجال.

أهمية وجود مجتمع مدني في سورية:

من أجل استقرار الوطن والمجتمع، وعلى أساس متانة الانتماء الوطني والشعور بالمواطنة وسيادة القانون، والحفاظ على التعدد في إطار وحدة الوطن وقوة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وبالاستناد إلى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، يصبح كل مواطن شريكاً في وطنه من خلال رباط المواطنة المقدس، والمشاركة في كل ما يخدم الوطن من خلال الحوار الوطني الحر والمسؤول. 

إن سورية المدينية ما بعد العثمانية بقيمها وتقاليدها، وأساليب عيشها وحكمها انتهت ولن تعود ثانية أبداً، وإن سورية الجديدة لن تتقدم إلا إذا عرفت كيف تفتح ذراعيها بالتساوي لجميع أبنائها.

العدد 1104 - 24/4/2024