«إمبريالية» لينين والنضال ضد الواحد في المئة

كان لينين قائد الحزب البلشفي الذي نفذ أول ثورة اشتراكية ناجحة في التاريخ الحديث، ومن هذه الثورة ولد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية الذي ضم أكثر من مئة قومية لدى الكثير منها جمهورياته. وكان لينين مكملاً لتعاليم كارل ماركس.

وصف لينين الإمبريالية بأعلى مراحل الرأسمالية، بأنها نظام اقتصادي، أولاً وقبل كل شيء، ذو قوانين حكم ملازمة. لقد اندفعت البلدان الرأسمالية المتقدمة لتوسيع قواها المنتجة خارج حدودها ونهب البلدان الأقل نمواً من أجل تحقيق أرباح أو تموت.

استندت الرأسمالية في مرحلة تطورها المبكرة إلى المنافسة، ولكن الرأسمالية في أعلى مراحلها تستند إلى الرأسمالية الاحتكارية، أي متعددات الجنسية والمصارف الأكبر التي تلتهم المنافسين الأضعف. المكونات الخمسة للإمبريالية هي: 1 تمركز الإنتاج والرأسمال. 2 اندماج الرأسمال المصرفي والرأسمال الصناعي، أو (الرأسمال المالي) الذي يخلق أوليغاركية مالية، 3 هيمنة تصدير الرأسمال متميزاً عن تصدير البضائع، 4 تكوين اتحادات رأسمالية احتكارية دولية تتقاسم العالم فيما بينها أي المصرف العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، 5 التقسيم الإقليمي للعالم كله بين القوى الرأسمالية الأكبر.

ألف لينين كتابه (الإمبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية) خلال الحرب العالمية الأولى لأن (الحرب الكبيرة) كانت في الحقيقة حرباً إمبريالية بينية، كانت حرباً نفذها بشكلها الأكثر وحشية الإمبرياليون الأوربيون والأمريكيون واليابانيون آنذاك فيما بينهم من أجل إعادة تقسيم الشعوب المستعمرة المستعبدة سابقاً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينة والكاريبي والشرق الأوسط.

أجبرت شعوب بلدن بأكملها، تحت السوط والبندقية، على الخضوع لاستغلال فائق من أجل إثراء البلدان الإمبريالية لبناء اقتصاداتها وتدمير البلدان المقهورة بالاستغلال الفائق للعمل والموارد والأراضي.

وكان هذا التقسيم الإقليمي للعالم كله بين القوى الرأسمالية الأكبر في (إمبريالية) لينين.

حثت الحرب لينين على الدعوة إلى (الانهزامية الثورية)، أي على الاشتراكيين والشيوعيين في البلدان الإمبريالية الاتحاد في الدعوة إلى هزيمة حكوماتهم، وإعلان أن (العدو في الداخل) وتحويل البنادق ضد طبقتهم الحاكمة.

وفي الوقت الذي دعا فيه لينين إلى الثورة ضد الحكومات الإمبريالية، دعا أيضاً إلى حق تقرير المصير لتلك البلدان المقهورة التي حرمت تاريخياً من حق تطوير اقتصاداتها بالاستناد إلى القوانين الرأسمالية للإنتاج.

الأزمة في فنزويلا وأوكرانيا

انطلقت الثورة البوليفارية في فنزويلا مع رئاسة الراحل هوغو شافيز الذي أصبح رئيساً في عام 1999. وتواصل حكومة نيكولاس مادورو الحالية العملية الثورية وتطمح إلى السير نحو الاشتراكية. يوجد في فنزويلا منذ وقت طويل وضع ازدواجية السلطة: حكومة معادية للإمبريالية ومؤيدة للاشتراكية تتمتع بدعم جماهيري وخصوصاً من الفقراء ضد الطبقة الأوليغاركية الرأسمالية التي لا تزال تملك معقلاً في الاقتصاد الخاص والإعلام مدعومة من قبل البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون وول ستريت ومرتبطة ارتباطاً عميقاً بالإمبريالية الأمريكية.

الوضع في أوكرانيا أكثر تعقيداً بسبب علاقتها بروسيا. لقد أصبحت بلداً رأسمالياً مستقلاً كنتاج للثورة المضادة الرأسمالية في عام 1991 التي لم تنه الاتحاد السوفييتي فقط بل سادت قبل ذلك في أوربا الشرقية في عام 1989. وقد وصف الشيوعيون ذلك بالنكسة التاريخية للعمال والمظلومين على نطاق عالمي  وأعلنته البرجوازية انتصاراً. وكانت المهمة رقم واحد للإمبريالية الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي هي إعادة استعمار العالم ضمن إمبراطورية أمريكية.

هذا هو السياق الجيوسياسي الذي يحدد تطور الوضع، فالعناصر الفاشية وشبه الفاشية التي طردت بعنف الحكومة المنتخبة شرعياً في أوكرانيا فعلت ذلك بدعم من الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي.

وخلال العملية كشفت هذه العناصر طبيعتها الفاشية، عندما رفعت بوقاحة أعلام الكونفدرالية الأمريكية والنازية. هذه محاولة من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للتوسع أكثر فأكثر نحو الشرق والمزيد من تطويق روسيا. يجب أن يكون واضحاً أن حكومة بوتين رأسمالية مدعومة من الطبقة الرأسمالية الروسية المكونة من أصحاب المليارات والملايين. ولكن روسيا ليست على وشك أن تصبح بلداً إمبريالياً مثل الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين. لا تملك روسيا قواعد عسكرية في أكثر من 150 بلداً مثل الولايات المتحدة، ناهيك عن المئات داخل الولايات المتحدة من أجل حماية أرباح الواحد في المئة. إن انتصار واشنطن سيقوي الإمبريالية العالمية وسيشكل خطراً كبيراً على العمال والمظلومين في العالم.

تشير الأزمة الاقتصادية العالمية إلى أن الرأسمالية توجد في طريق مسدود. لم تعد تستطيع توسيع إنتاجها كما كانت تفعل خلال المراحل السابقة من تطورها. إنها في وضع يائس مغامر مايعني أن الحروب والأزمات السياسية  كما يحدث في فنزويلا وأوكرانيا  يمكن أن تندلع في أي زمان ومكان.

العدد 1104 - 24/4/2024