صفقة إيران مع «5+1»

انشغل العالم بالمفاوضات بين إيران والدول الخمس زائداً واحداً، حول الملف النووي الإيراني، بين مؤيد ومعارض، ومشكك ومتفائل.. ولعب الإعلام دوراً بارزاً في الاهتمام بهذا الحدث التاريخي، استعراضاً وتهويلاً، وساعد في ذلك الأسباب الموجبة التي يعيشها العالم. فالأزمة الرأسمالية تنفلت من عقالها، وتضرب هنا وهناك، وخاصة في أوربا.. ومنطقة اليورو عموماً، وأزمة اليونان نموذج لذلك.. ويزداد اهتزاز أحادية القطب الأوحد الأمريكي.. وروسيا تتصدى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.. والصين يشغلها تأمين الطاقة، وخاصة بعد اشتعال الشمال الإفريقي.. ومجموعات البريكس وشنغهاي تتقدم لإثبات الوجود الفعلي.. وبركان الشرق الأوسط ينفجر في غير مكان (ليبيا، اليمن، العراق، مصر، سورية)، وربما تركيا ولبنان.. كل هذه الأمور وغيرها خلق مزاجاً عالمياً يتطلع إلى إطفاء التوترات في العالم والاهتمام بالشأن الاقتصادي والاستقرار.

هل سينعكس الاتفاق إيجاباً على منطقة الشرق الأوسط؟!

كانت المنطقة تعيش حرب استنزاف بين السعودية وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى، أدت إلى استنزاف موارد هذه الدول من البترول والغاز وغيرهما، في سباق التسلح من جهة، وإثارة الصراعات والحروب المختلفة من جهة أخرى. والاتفاق خلق تحولات تفرض متغيرات دولية، وهو أساس للميل إلى الواقعية بالتدريج، لذلك لابديل عن الحوار والتواصل.

وهذا الزلزال الجيوسياسي، سيصبح نموذجاً للحلول، ولو بعد حين، ولو صدح صراخ دون صدى هنا وهناك، لأن هذا الاتفاق في حقيقته هو صفقة مفيدة، لذلك أطلق عليه (رابح -رابح)، والجميع الآن يضع هذه الصفقة على الميزان، لقياس الربح والخسارة. وإذا أخذنا بمصالحنا السياسية والاقتصادية يمكننا القول:

* إن إيران ستصبح قوة وستشكل بعد رفع العقوبات عنها ثورة اقتصادية، إذ تتوفر لديها الإمكانات المادية والعلمية والبنية التحتية.

* محور المقاومة سيتعزز وربما سيتمدد إلى شرق آسيا.

* توفر قوة الشراكة مع روسيا والصين و(البريكس) و(شنغهاي).

* حجم الصفقات سيكبر من الصفقات الصغيرة إلى الكبيرة، خاصة مع أمريكا وأوربا سياسياً، واقتصادياً، وما زيارة الوزير الألماني مع مئة من رجال الأعمال إلى إيران إلا مؤشراً لذلك، وسيتبعه كما هو معلن زيارة وزير الخارجية الفرنسي، ثم البريطانيين.. إلخ، وسنسمع لغة الحوار بدلاً من قرع طبول الحرب.

ومع ذلك هناك بعض القوى، سواء كانت ناعمة أو خشنة، ولدى كل الأطراف لا يمكن تجاهلها.

فليس مستغرباً أن نسمع أن إسرائيل الخاسر الأكبر شكلت خلية أزمة، وهي ترفع سقف مطالب الضمانات، من عسكرية ومادية وسياسية، وكان اللافت مطالبتها لأوباما باعتراف أمريكا بأحقيتها في امتلاك الجولان السوري!

وطالب لافروف بتفكيك الدرع الصاروخية في أوربا، لأنه وُجد أساساً للتصدي للصواريخ الإيرانية العابرة للقارات، المحملة بالمواد النووية.

وإذا ما أخذنا بالعقلانية، فإن إيران تقع تحت المجهر، وستعمل للانتقال من عين الشك إلى عين الثقة، وبالتالي ستنفذ الاتفاق بحرفيته، لأن العقوبات التي فُرضت عليها عام 2003 أدت إلى انخفاض التعامل التجاري إلى 40%، وترك ذلك أثراً ملموساً على شرائح مختلفة من الشعب الإيراني، كما أنه في ظل الحروب والأزمات يرتفع سقف الفساد وتزداد تبريرات تدني الإنتاج ونوعيته، كما حدث في العراق وليبيا وسورية وغيرها.

لذلك لا يمكننا القول بعد هذه الصفقة إن انعكاساتها ستؤدي إلى حل الأزمة السورية واليمنية والعراقية وغيرها سريعاً، لكنها تذهب نحو الحل إيجابياً، رغم أن بعض الأنظمة كالسعودية تطبق السياسة بداعي الانتقام والحقد و(كسر الآخر) مهما كان الثمن، وعدم قدرتها على الاعتراف بالخطأ أو الفشل، وهناك من يغامر في السياسة بدعم الإرهاب كأردوغان وقطر.

يقول جورج فريدمان في (السترادفور):

(أزمات تعصف بأوربا وروسيا والشرق الأوسط والصين، ولكنها بدرجات مختلفة، وتهدد المنطقة الأوراسية ونصف الكرة الشرقي. ليس بالضرورة أن تكون مجتمعة ليظهر خطرها، لكنها الآن بدأت تندمج وتتفاعل مع بعضها، ما يعني بأن المخاطر سوف تتضاعف بشكل يصبح معه احتواء كل أزمة بنفسها مهمة شاقة وإدارتها أمراً بالغ الصعوبة).

وذكرت بعض الأوساط أن الساسة الأمريكان يقولون إن كوبا أكثر أهمية لأمريكا كدولة عظمى من داعش، أو ما يجري في سورية ومنعكساته، لذلك تفضل الانتظار على الحلول السريعة.. وهذه الرؤيا تختلف عن الرؤيا الأوربية التي ترى أن الأزمات لها تقاطعات مختلفة، فالأزمة الأوكرانية، وكذلك في الشرق الأوسط، تتقاطع مع أوربا التي تقلقها الهجرة غير الشرعية، ومحاولة إيجاد توازن مع المجتمع المسلم.

إن إعادة تشكيل التحالفات والعداوات، لا تحل دون تقاربات..

قد تكون المنطقة أمام تغيرات كبيرة، خاصة مع الاقتراح الروسي الذي أطلقه بوتين.. ومن السذاجة السياسية أن يطرحه من دون تفاهمات مسبقة مع أمريكا وغيرها، وذلك إنشاء تحالف (سوري- سعودي- تركي- أردني) لمواجهة الإرهاب، وهناك من يذكر أنه يوجد مساران للحل:

1- تفاهم أمريكي – إيراني للحل في العراق برضا سعودي.

2- تفاهم روسي- سعودي للحل في سورية، برضا إيراني.

لكن العقدة أن سورية والعراق يرغبان بصيغة وحدوية تجمع شتات المشرق العربي في قوة إقليمية كبرى، وهذا أقرب للمنطق في محاربة الإرهاب.

وهناك من يرى بأن تركيا وقطر ستدفعان وكلاءهما للتفاوض بشأن حكومة في سورية، يترافق مع تهديد عسكري لإنشاء منطقة حظر أمني ضد مسلحي داعش وضد خطر توسع الأكراد!

عموماً مازال الانقسام الدولي قائماً حول أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي، ولكن ليس من العسير إيجاد حل.

ما سنشهده في المنطقة احتمالات مفتوحة، خاصة بعد اجتماع مجلس الأمن في نهاية تموز الجاري للاطلاع على تقرير دي مستورا ورحلاته المكوكية ومباحثاته مع أطراف الأزمة السورية، وربما دعوته إلى عقد جنيف ،3 وكذلك ما ستسفر عنه زيارة الملك السعودي إلى روسيا، واحتمالات نجاح المساعي الروسية في تشكل حلف إقليمي دولي لمكافحة الإرهاب في سورية والمنطقة.

ما ستسفر عنه الأيام القادمة قد يفتح آفاقاً جديدة لحل الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، وهذا ما يرجحه المحللون السياسيون، لكننا نرى من جهتنا أن ذلك مرتبط بالمساعي الجدية لمكافحة الإرهاب وسد منافذ دعمه وتغذيته مادياً ولوجستياً وفكرياً.

العدد 1105 - 01/5/2024