الذكرى السابعة والخمسون لثورة 14 تموز الوطنية في العراق

من حق غالبية الشعب العراقي (بكل مكونات نسيجه الوطني) وأصدقائهم في البلدان العربية وخارجها، الاحتفال بالذكرى السابعة والخمسين لثورتهم المجيدة، هذه الثورة التي غيّرت معالم المجتمع العراقي، وفتحت الطريق أمامه لولوج عصر الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم، وذلك بفضل تلاحم القوى الوطنية والديمقراطية مع جماهير الشعب والجيش بقيادة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم.

ولكي يتعرف قراء جريدة (النور) الأعزاء إلى هوية هذه الثورة، أشير بإيجاز إلى بعض منجزاتها خلال عمرها القصير (أربع سنوات ونصف)، لغاية الانقلاب الدموي في 8 شباط 1963 رغم مواردها المحدودة نسبياً حينذاك، بالفقرات المكثفة التالية:

* إلغاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري الوطني.

* تأكيد الدستور الجديد ضرورة شراكة كل العراقيين عرباً وأكراداً وسائر مكونات الشعب في العراق، واعتبار هوية المواطنة العراقية هي المعيار، والعزوف عن غيرها من الاعتبارات الدينية والمذهبية والإثنية والعشائرية وما شابه ذلك.

* إطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين، وكانت غالبيتهم العظمى من الشيوعيين وأصدقائهم، وفتحت المجال للنشاط السياسي والثقافي للقوى الوطنية والديمقراطية والقومية.

* الخروج من حلف بغداد العدواني ومن النقطة الرابعة الأمريكية، وتحرير الدينار العراقي من هيمنة الأسترليني.

* استعادة جميع الأراضي غير المستثمرة، ومساحتها 5,95% من جملة الأراضي العراقية التي كانت ضمن الامتيازات المجحفة بيد الشركات النفطية الأجنبية، وذلك تمهيداً لتحرير القطاع النفطي من النفوذ الأجنبي واستثماره وطنياً.

* إنشاء إدارة وطنية لمصلحة المصافي للنفط ضمن القطاع الحكومي، والاستغناء عن الخبراء الأجانب، وإحلال الخبرات الوطنية محلهم، ومضاعفة الطاقة الإنتاجية لمصفى الدورة من 1.4 إلى 2.3 مليون برميل نفط مكرر سنوياً.

* إلغاء امتياز شركة نفط خانقين، واستلام مصفى الوند، وتشغيله وطنياً.

* إنشاء جهاز لتوزيع الغاز السائل على المستهلكين وتخفيض أسعار المشتقات النفطية وخاصة البنزين.

* الاهتمام بالقوى العاملة وتكوينها وتمكينها في قطاع النفط، وتأمين حقوقهم، ومنع فصل أي منهم دون إذن الوزير الذي كان يومذاك الأستاذ الأكاديمي ذو التوجه الماركسي الدكتور إبراهيم كبه.

* اتباع سياسة نفطية بالتعاون مع الدول العربية الشقيقة، وإنشاء منظمة البلدان المنتجة والمصدرة للبترول (أوبك)، التي ولدت في بغداد ومازالت مستمرة.

* وفي أيامه الأخيرة وقّع الزعيم عبد الكريم قاسم على قانون إنشاء شركة النفط الوطنية، وقال حينذاك: (إننا نوقع على شهادة وفاتنا)، وقد صدق حدسه، فقد قام الانقلابيون برئاسة عبد السلام عارف بإعدامه في إحدى غرف إذاعة بغداد يوم 9 شباط 1963 وشاهد العراقيون ذلك من شاشة التلفزيون العراقية.

* في المجال الصناعي ركزت ثورة 14 تموز على صناعة وسائل الإنتاج، مثل مصنع الفولاذ ومصنع الأسمدة الكيميائية والكبريت واللوازم والعدد الكهربائية والمعدات والجرارات الزراعية ومعمل السكر والتعليب للمنتجات الزراعية ومعمل الورق والزجاج ومعملي النسيج القطني والصوفي ومعمل الأحذية ومعمل الأدوية في سامراء.. إلخ.. والنهوض بالقطاع الخاص إلى جانب دعم القطاع العام.

* وأصدرت قيادة الثورة في أيلول 1959 قانون الإصلاح الزراعي لنزع ملكية نازعي الملكية (حسب تعبير ماركس)، حيث كان أحد الإقطاعيين مثلاً يمتلك أرضاً تعادل مساحة لبنان، وحثّ القانون على العمل التعاوني واستخدام الميكنة والأسمدة الكيماوية لزيادة الإنتاج والإنتاجية.

* كما أنصفت الثورة المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية الذي جاء نقلة تقدمية في هذا المجال، وعيّن عبد الكريم قاسم الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات، وهي رئيسة رابطة المرأة العراقية، وعضوة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وكانت أول وزيرة عربية في الوطن العربي.

* نظمت ثورة 14 تموز اتفاقية للتكامل الاقتصادي مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية)، كما عقدت اتفاقية اقتصادية وفنية مع الاتحاد السوفييتي ودول اشتراكية أخرى، ومع دول صديقة مثل دولة الهند.

وبعد تفكيك جبهة الاتحاد الوطني التي كانت تضم كلاً من الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي، والتصدع الذي أصاب قيادة الثورة، ولاسيما الخلاف الحاد فيما بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، اقتربت الثورة من حافة الانتكاس.

كتب الدكتور إبراهيم كبه في شهادته في كتابه المعنون (هذا هو طريق ثورة 14 تموز): ازدادت العراقيل أمام سياسة النفط الوطنية، وتراكمت الصعوبات أمام سياسة الإصلاح الزراعي، وقد ساهمت بهذه العراقيل قوى داخلية رجعية، وقوى خارجية، تضررت مصالحها بسبب ثورة 14 تموز، التي حاولت تصحيح المسار لصالح جماهير الشعب العراقي.

وهكذا استمرت التراجعات والإخفاقات والتنازلات للقوى الرجعية المحلية والخارجية، وبالمقابل جرى التقييد للحريات وزيادة الاعتقالات، لاسيما للشيوعيين وأصدقائهم وللقوى الوطنية الأخرى.

كل ذلك مهّد الطريق للانقضاض على ثورة 14 تموز بالانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963 وقد صرح علناً وزير حكومة الانقلاب علي صالح السعدي بأننا (جئنا بالقطار الأمريكي).

ومنذ ذلك التاريخ حتى الوقت الراهن تعاقبت الأحداث المؤلمة على غالبية الشعب العراقي، ومع تزايد الفساد المالي والإداري، ظل العراق بلداً غنيً يعاني غالبية سكانه من فقر شديد وفقدان للأمان، وشح في مصادر المياه والكهرباء في صيف اقتربت درجة الحرارة فيه من الخمسين درجة، ومازال الحل الجذري للخلاص بعيداً.. بعيداً.. مادام التطاحن بين القوى المتنفذة في إطار المحاصصة الطائفية الإثنية البغيضة مستمراً، ورغم كل هذا، فالأمل يظل موجوداً بصحوة الناس الطيبين لتوحيد كل الجهود وتحشيدها للقضاء على داعش وأخواتها من الإرهابيين التكفيريين المتوحشين. ولابد هنا من تضافر كل المتضررين من هذه الظاهرة في المنطقة العربية وخارجها، والخلاص للعراق يكون بالمصالحة الوطنية الحقيقية وبإقامة الدولة المدنية الديمقراطية.

العدد 1105 - 01/5/2024