من الصحافة العربية العدد 686

اتفاق فيينا وتعطيل مزاعم إسرائيل

لأنه تاريخي ومفصلي، فلا بدّ من التعامل مع اتفاق فيينا على هذا الأساس. في السنوات الأخيرة، ما من مسألة شكلت إزعاجاً وإحراجاً لإسرائيل بقدر ما شكل الملف النووي الإيراني الذي ضرب الاحتكار الإسرائيلي للقدرات النووية في الشرق الأوسط. إزعاج آخر لإسرائيل مصدره الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتحرّر من ضغوط اللوبي اليهودي في ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة، خلافاً للكونغرس حيث النفوذ الكبير لمجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل.

كما أن تل أبيب خسرت ما تمثله إيران من عدو (مثالي)، وبالتالي سقوط مقولة حماية إسرائيل لأمن أمريكا وأوربا من خطر العضو الأبرز في (محور الشر) (سابقاً). فبعد تطبيع علاقات إيران مع العالم لم يعد في الميدان الإسرائيلي سوى (إرهاب) حماس، كما كان (إرهاب) فتح قبل اتفاق أوسلو. فبينما تخرج إيران من عزلتها الدولية، تزداد عزلة إسرائيل مع السياسة الصدامية التي يتبعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في واشنطن ومع العالم.

اتفاق فيينا يستدعي قراءة جديدة لمضامين العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. السؤال البديهي في العلاقات بين الدول، خصوصاً عندما تكون غير متكافئة وأحد أطرافها دولة عظمى، كيف استفادت أمريكا من العلاقة مع إسرائيل منذ 1948 إلى اليوم؟ في الحروب العربية – الإسرائيلية، أنقذت واشنطن إسرائيل من هزيمة في حرب 1973 لا تقلّ فداحة في تأثيرها على إسرائيل، دولة ومجتمعاً، عن هزيمة العرب في 1967. وأدّى الدعم الأمريكي لإسرائيل في 1973 إلى حظر تصدير النفط وخفض إنتاجه وبالتالي ارتفاع أسعاره، ما تسّبب بأزمة اقتصادية عالمية.

وخلال الحرب الباردة لم يكن لإسرائيل أي دور محوري في حماية المصالح الأمريكية وفي التصدي للاتحاد السوفييتي بالمقارنة مع دور إيران الشاه وتركيا والسعودية. وفي حرب السويس شنت إسرائيل ومعها فرنسا وبريطانيا حرباً على مصر، وأجبرت واشنطن لاحقاً الأطراف الثلاثة على الانسحاب. وفي حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي كانت إسرائيل عبئاً على إدارة الرئيس جورج بوش الأب الذي طلب من تل أبيب عدم الردّ على صواريخ صدام حسين ونالت بالمقابل منظومة (باتريوت) الدفاعية. وفي فلسطين شكّل الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات تحدياً مباشراً للرئيس أوباما ولأسلافه، الرؤساء كلينتون وبوش الأب وكارتر.

وبالمقارنة مع الدور الاستراتيجي للحلف الأطلسي، إسرائيل لا تقدّم ولا تؤخر في المعادلة العسكرية. ففي ليبيا مثلاً حسم الحلف الأطلسي المعركة في 2011 ولم يَستعن بإسرائيل.

وفي أفغانستان، بعد الاجتياح السوفييتي في الثمانينيات، كان للتنظيمات الإسلامية الجهادية دور فاعل في المعركة التي أنتجت لاحقاً تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وبعد اعتداءات 11 أيلول شنّت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان ولم تنتظر دعم إسرائيل. وفي الحرب الدائرة على الإرهاب في العراق وسورية لا حاجة لإسرائيل عسكرياً، إلى جانب الدول الكبرى والدول العربية وتركيا وإيران. أما أبرز خدمات إسرائيل للولايات المتحدة فتشمل الاستيلاء على أسلحة سوفييتية بعد حرب 1967 وتسليمها إلى واشنطن، إضافة إلى التعاون المخابراتي، وهو متاح لواشنطن بحكم العلاقات الوثيقة التي تربطها مع معظم دول المنطقة، والبعض منها يستقبل قواعد عسكرية أمريكية.

ثمة فرصة متاحة لتبديل المعادلة الاستراتيجية القائمة التي تستغلّها إسرائيل منذ عقود لتبرير الدعم الأمريكي، وهو دعم باهظ الكلفة اقتصادياً ومعنوياً، وغير مجدٍ عسكرياً وسياسياً. الكلام حول ديمقراطية إسرائيل وحالة (التوحّد) التي تعيشها وهي محاطة بأنظمة سلطوية، وأن إسرائيل مهدّدة من جيرانها، بينما هي الآن في قمّة تفوقها العسكري بعدما انهارت جيوش دول الطوق العربية أو هي محيّدة، مثلما هي حال مصر والأردن، لم يعد مقنعاً ولا يفي بالغرض المطلوب.

الفرصة متاحة بعد اتفاق فيينا لإسقاط مقولة قيمة إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وتعطيل حججها المزعومة وابتزازها في حال استطاعت إيران أن تبني علاقة ثقة متبادلة مع واشنطن والدول الغربية، وهذا يقتضي استخدام طهران للنووي لأغراض سلمية. فمع إيران المحيّدة أو المتعاونة بالحد الأدنى وفي ظل تحالف واشنطن مع تركيا والسعودية وربما مصر والأردن، يمكن إسقاط الادعاءات الإسرائيلية وتعطيل الخرافة الشائعة بأن إسرائيل حاجة استراتيجية للدولة العظمى.

بعد اتفاق فيينا، الذي بدا مستحيلاً قبل إنجازه، يمكن استحضار خيارات تبدو مستحيلة الآن وقد تصبح ممكنة في الوقت والظرف المناسبين.

فريد الخازن

 (السفير، 8/8/2015)

عن بيتٍ أبيض ومعارضة معتدلة: (خلصت وفشلت)!

شفّافةٌ هي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ما يخصّ القضية السورية. ونظراً لحرصها على الشفافيّة المُطلقة، فهي لا تتورّع عن مكاشفة الرّأي العام بمعلومات ما كانَ أحد ليعرفَ بها. فلنأخُذ مثلاً التصريحات الأخيرة للناطق باسم الإدارة حول (برنامج تدريب مقاتلي المُعارضة السورية المُعتدلة). صحيحٌ أنّها صادمة وتُخالفُ المُعطيات، لكنّها شفّافة. مَن كان يظنّ أنّ البرنامجَ المذكور قد يفشل؟! يبدو الأمر غيرَ قابل للتصديق، ولا بدّ لنا نحنُ الجمهورَ أن نتثبت، فلربّما كانت القناة الناقلة للخبرCBS) ) مُدرجة على قوائم (القنوات المغرضة) مثلاً! لا مؤشرات على الأرض تقول ذلك.

كانَ كلُّ شيءٍ يسيرُ على ما يُرام، والأنباء تتوالى عن صولات وجولات الرجال الستين الّذين سينقذون العالم من شرور الإرهاب. كُنّا نتساءل فقط عن موعدِ النهاية السعيدة، لنصرخَ بالفم الملآن (خلصِتْ. انتهينا من شرور الإرهاب، وبات بإمكاننا العيشُ في سباتٍ ونباتْ). فجأةً، خرجَ علينا المُتحدّثُ ليفجعَنا بالنّبأ (غير المُتوقّع)، ولنكتشف أنّ (المعارضة المعتدلة) هي التي (خلصت… وفشلت)! لماذا؟ لأنّه (جرى القضاء واعتقال واختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل أن يحتكوا بالدولة الإسلاميّة)! لن يتمالكَ المرء أمام هذه الأنباء الصادمة نفسَه، سيحاولُ البحث عن مكمن الخلل. ربّما كانَ السّببُ ماديّاً مثلاً، ولعلّهم لم يصرفوا على البرنامج بسخاء؟ حتّى هذا التبرير حرمَتنا القناة النّاقلة للخبر استخدامه. وها هي تُخبرُنا بأنّ (البنتاغون أنفق على تدريب نحو 60 مقاتلاً خلال شهرين 42 مليون دولار). هل يبدو الرّقمُ كبيراً قليلاً، وغيرَ قابلٍ للتّصديق؟ لا بأس؛ يمكننا أن نُصدّقَ هذه الكلفةَ الباهظة. أصلاً كلُّ شيءٍ مُكلف هذه الأيّام… الأسعارُ مرتفعةٌ بشكل جنوني: من الأسلحة… إلى العقارات، إلى الملابس… فهل (وقفت عالاعتدال)؟! لا بدّ إذاً أن نُصّدق الرقم، لكنّنا لا نستطيعُ أن نُصدّق أنّ شيئاً وضعت الإدارة الأمريكيّة يدَها فيه قد يفشَل! هذا أكبر من قُدرتنا على التصديق. إذ ليسَ من عادة (الإدارة) أن تفشل. فلا هي فشلَت في العراق، ولا في أفغانستان، ولا في سورية…

لحظة؛ ثمّة استطلاعٌ أُجريَ قبل أشهر يوضحُ أن قرابةَ نصف الأمريكيين يرون أن (سياسة بلادهم في الشرق الأوسط فاشلة). وأمريكا، كما نعلم، هي بلد الديمقراطيّة. لا بدّ من أخذ هذا الاستطلاع في الحسبان إذاً، والتسليم بأن الفشل وارد، لكن، ماذا سننتظرُ الآن؟ من سيملأُ لنا (المنطقة الآمنة)؟ ويقهرَ الوحش (الدّاعشي)؟ يقولون إنّ (الاستخبارات الأمريكية تدقق في صلاحية نحو 7 آلاف متطوع ومدى توافقهم مع المعايير الأمريكية لقبولهم ضمن البرنامج المعتدل)، لكن وبشفافية، علينا الاعتراف بأن الثقة اهتزّت قليلاً بهذا البرنامج. سمعنا أنّ (رامبو) كانَ يستعدّ للمعركة الكُبرى. ولكنّه أمريكي، وربّما جعلَه ذلك مرشّحاً للفشل. من سيحلّها إذاً؟ ثمّة مرشّحٌ وحيدٌ يلوحُ في الأفق، إنّه الرّجل الخارق، إنّه (مُراد علمدار)… فلننتظر التركي إذاً!

صهيب عنجريني

(الأخبار، 8/8/2015)

العدد 1105 - 01/5/2024