الخطر النووي الصهيوني الداهم والمشروع العربي المفقود

شكل سعي الكيان الصهيوني إلى الامتلاك المبكر لقدرات نووية إحدى أولويات اتجاهات التفكير الاستراتيجي لصناع القرار على المستويات المختلفة، مسلحاً بخلفية فكرية شاملة يقوم عليها مذهب (الأمن القومي الإسرائيلي) (الردع – الإنذار المبكر – الحرب الخاطفة – الحسم – الجبهة الداخلية – الدفاع…) اعتماداً على بناء عناصر القوة الشاملة السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية واستغلالها.

فقد قال بن غوريون: منذ الأيام الأولى لولادة الجيش الإسرائيلي: (نظراً لأننا متخلفون كمياً، فإنه يتحتم علينا أن نتفوق نوعياً، ترجمة هذا المبدأ إلى لغة ليست بالأمر السهل، فهي تتكون من سلسلة من الجهود العسكرية والقومية في مجالات التربية والتعليم وتأمين القوة البشرية والأبحاث والتطوير التكنولوجي والصناعة والإنتاج والتسليح وغيرها، وكل ذلك لصالح تعميق التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي). ترجمة لهذه الرؤية، أنشأت وزارة الدفاع الإسرائيلية عام 1949 مركزاً للبحوث والتطوير النووي في معهد وايزمن (راحبوت) ضم فريقاً من علماء الفيزياء والكيمياء والمهندسين.

وهكذا عملت إسرائيل على إيجاد بنية علمية متقدمة في هذا المجال دون كلل وبدعم من حاضنتها الأوربية، إذ شهد عام 1952 تشكيل لجنة للطاقة النووية بدعم فرنسا. وأعقبها توقيع اتفاقية التعاون النووي عام ،1953 إضافة إلى مساهمة فرنسا في إنشاء وبناء مفاعل (ديونة النووي) عام 1957 الذي بدأ تشغيله بكامل قدراته عام ،1968 ليصبح قادراً على إنتاج أسلحة ذرية (4-5 رؤوس نووية) (1).

وأخذت الحاضنة الأمريكية دورها عام 1955 من خلال معاهدة التعاون النووي التي حصلت إسرائيل بموجبها على مفاعل نووي (ناحال سوريك 1966) قدرته (5 ميغا واط)، وعلى (90%) من اليورانيوم المخصب (2).

في هذا السياق تتبنى (إسرائيل) سياسة الغموض النووي، ورفضت التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية المفقودة عام ،1968 فقد فشل المؤتمر العام السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عقد بتاريخ 25/9/2010 في تمرير قرار يدعو إسرائيل إلى الانضمام للمعاهدة، بسبب التعنت الصهيوني المدعوم بالموقف الأمريكي، وهي تستهدف الإبقاء والاستمرار لتفوقها النوعي والتفرد بامتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، والتخلص من أي حظر تكنولوجي قد يُفرض عليها من الوكالة الدولية للطاقة النووية، ومن المراقبة الدولية على منشآتها النووية، إمعاناً في الغطرسة الصهيونية. إلا أن أغلب التوقعات والمعلومات تؤكد امتلاك إسرائيل لمئات من الرؤوس النووية، فقد جاء في اعترافات الخبير الفني فعنونو الذي عمل في مفاعل ديمونا لصحيفة (صنداي تايمز) البريطانية عام 1986: (أن إسرائيل تمتلك 200 قنبلة نووية).

وتقول رابطة العلماء الأمريكيين (إن تقديرات جهات المخابرات لقدرات إسرائيل النووية في عام1990 كانت تشير إلى امتلاكها ما يتراوح ما بين 50 إلى 130 سلاحاً نووياً) (3). وتمتلك إسرائيل وسائط نقل وإيصال الرؤوس النووية بواسطة منظومة صواريخ (أريحا) إذ يصل مدى صاروخ (أريحا2) إلى 1600 كم. وتعمل على تطوير صاروخ (شافيت) ليصل مداه إلى 5000 كم، إضافة إلى ما تملكه من طائرات أمريكية من طراز (f 15)، كما قامت بتطوير منظومة أقمار صناعية (أفق).كما استلمت عام 1999 ثلاثة غواصات (دولفين 800) من ألمانيا قادرة على حمل رؤوس نووية.

الاعتراف الأوضح جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت عام 2006 في مقابلة أجرتها معه محطة التلفزة الألمانية قائلاً: (أن إسرائيل تُعد بين القوى النووية وصنفها إلى جانب أمريكا وروسيا والصين). ويعود نجاح الكيان الصهيوني امتلاك قدرات السلاح النووي وصنعه إلى عدة عوامل منها:

– الرؤيا الاستراتيجية الثاقبة التي تمتعت بها القيادة الصهيونية بإدراكها العميق أن السلاح النووي سلاح رادع يساهم بشكل رئيسي في درء التهديد والوجود للكيان الصهيوني، وإصرارها على تحقيق أهدافها.

– استغلال إسرائيل للطاقات العلمية اليهودية التي أصبح لديها خبرات في هذا المجال، خاصة التي شاركت في صنع القنبلة النووية الأمريكية.

– موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين التي حملت معها قدرات علمية متعددة وفي مختلف المجالات، مما وفر المليارات على خزينة الدولية الصهيونية

– اعتماد أساليب البحث العلمي بشكل واسع.

– الدعم الأوربي والأمريكي المتواصل للكيان الصهيوني

في سياق سعيها إلى تحقيق (الأمن المطلق) تتبنى إسرائيل استراتيجية:

أولاً- التهديد بالقوة أو استخدامها لإجهاض أي قدرات عربية نووية وقد عبر عن الهدف، رئيس الأركان الأسبق أمنون شاحاك ليفكين، في مقابلة مع جريدة (معاريف) الصهيونية 17/4/1992 قائلاً: (كل الوسائل جاهزة لمنع أي دولة عربية من امتلاك قدرة نووية) (5).

واتساقاً مع هذه الثقافة العنصرية الفاشية، عمدت (إسرائيل) إلى تجسيد سلوكها العدواني المتمثل في إبادة الآخر إلى القيام بعمليات اغتيال للعديد من العلماء النوويين العرب.

– اغتيال العالمة المصرية سميرة موسى ،1952 بواسطة حادث سيارة مفتعل في أمريكا.

– اغتيال العالم علي مصطفى مشرفة بالسم 1950.

– اغتيال يحيى المشدّ في باريس ،1980 واعترفت إسرائيل والولايات المتحدة باغتياله) (6).

– وعلى إثر تحقيق المفاجأة الاستراتيجية، ونجاح الجيوش المصرية والسورية بتدمير خطوط دفاع العدو واختراقها وتقدمها السريع في عمق دفاعات العدو الصهيوني في المرحلة الأولى من حرب تشرين ،1973 أذنت رئيسة الوزراء غولدا مائير لوزير الدفاع موشي ديان بتجهيز أسلحة (يوم القيامة) وهو الاسم الرمزي للأسلحة النووية، لضرب القاهرة ودمشق، إلا أن التحول الإيجابي لصالح العدو بفعل الجسر الجوي الأمريكي، جعل قادة العدو يعيدون النظر في الخيار النووي.

– تنفيذ (إسرائيل) عملية (أوبرا) الجوية عبر الأجواء السعودية في 7/6/1981 مستهدفة تدمير المفاعل النووي العراقي (أوبراك).

– إقدام طيران العدو الصهيوني على قصف منشأة سورية قيل إنها نووية قيد الإنشاء في منطقة دير الزور في شهر أيلول 2008.

– قصف مركز للبحوث العملية في جمرايا بريف دمشق 2013.

– أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن إسرائيل خلال حربها الأخيرة ضد قطاع غزة 2014 استخدمت قنابل تحتوي على اليورانيوم الذي يعد من الأسلحة المحرمة دولياً.

ثانياً- تبني استراتيجية التفاوض المباشر، وصولاً إلى عقد اتفاقات ثنائية منفردة مع كل طرف من الأطراف العربية، وقد بيّن مدير مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب (جوزيف الفر) دوافع المشاركة في اللجان المتعددة الأطراف المنبثقة عن مؤتمر مدريد (للسلام)، ومنها (لجنة الحد من التسليح والأمن الإقليمي قائلاً: (…مصلحة إسرائيل من هذه العملية، عملية السلام في الشرق الأوسط، يمكن حصرها بالكامل تقريباً بالشأن الأمني) (7). وقد قاطعت اجتماعات اللجنة كل من (سورية، لبنان، العراق، ليبيا) بطبيعة الحال وهي تستهدف من هذه المشاركة أيضاً، توسيع دائرة علاقاتها الإقليمية، وقد طرحت شروطها التعجيزية للانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية:

1- تحديد منطقة البحث والقيد الجغرافي لتشمل الدول العربية ودول إقليمية (إيران – باكستان – تركيا – الهند).

2-أن لا تشرف هيئات دولية على عقد الاتفاقات الثنائية، واعتماد الإشراف المتبادل بين إسرائيل والدول العربية.

3- أن توقع دول المنطقة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

ومع أن (إسرائيل) الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في الشرق الأوسط، وترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (إلا أنها استطاعت أن تنتزع الاعتراف الدولي ضمنياً بها كدولة نووية، من خلال رفع وكالة الطاقة الذرية الدولية لعقوباته عن إسرائيل في تشرين الأول 1994).

(في موازاة ذلك بدأ المشروع النووي المصري من خلال إنشاء لجنة الطاقة الذرية عام ،1955 ومؤسسة الطاقة الذرية بقرار جمهوري رقم 288 عام ،1957 وبدأ تشغيل المفاعل البحثي الأول عام 1961 الذي أنشئ بمساعدة الاتحاد السوفيتي. وقد بدأ المشروع النووي المصري في الوقت الذي بدأت الهند مشروعها النووي، وقد أصبحت الهند قادرة على تصنيع محطة نووية دون الاستعانة بخبرات أجنبية، وأصبحت تملك الآن مايزيد عن 30 قنبلة نووية) (8)، ووقعت مصر على معاهدة منع انتشار السلاح النووي عام 1981. ومازال المشروع المصري متعثرً لأسباب عديدة ليس من بينها القدرات البشرية العلمية المصرية، إذ تعتبر مصر من الدول التي تمتلك تلك القدرات كما تؤكد ذلك الخبرات المصرية في هذا المجال.

هوامش

1- مقالة (الطريق إلى ديمونا)، دور السلاح النووي الإسرائيلي في حرب تشرين (أكتوبر)، أيار/2011.

2- موقع الحوار المتمدن، مقالة (تطور القدرات النووية الإسرائيلية)، 1/9/2012.

3- مقالة زيادة كبيرة في قدرات إسرائيل النووية، موقع aralnc.B.B.C.online.

4 موقع مجلة الرأي الآخر، مقالة (إسرائيل تمتلك 300 قنبلة ورأس نووي)، 18/7/2015.

5- مقالة ليبورد سيكتور، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد (10) 1992.

6 موقع اليوم السابع، وموقع الحوار المتمدن.

7 مقالة للكاتب: مصطفى كرلوتي، جريدة (الاتحاد)، 1/8/1994.

8- موقع وكيبيديا.

العدد 1105 - 01/5/2024