سحب تراخيص 9 شركات صرافة.. وليرتنا في خطر

إغلاق تسع شركات صرافة إغلاقاً نهائياً، وسحب تراخيصها خلال الأشهر القليلة الماضية، لم ينعكس كثيراً على سعر صرف الليرة. والهدوء المؤقت الذي حظي به سعر الصرف، لم يسهم في إشاعة أجواء التفاؤل، ولم يؤدِّ إلى تحقيق الهدف الحكومي المعلن بتثبيت هذا السعر، وإجباره على المراوحة عند الحدود المعقولة التي حددها البعض بـ100 ليرة أمام الدولار، فيما رأى مسؤولون حكوميون أن السعر العادل هو 120 ليرة مقابل الدولار، بينما يذهب العديد من الباحثين والأكاديميين إلى أبعد من ذلك ويضعون أسعاراً أعلى بكثير. ولم يعد سؤال ماذا فعلت الحكومة لمواجهة عدم الاستقرار في سعر صرف الليرة، ذا مغزى ودلالة؟ فبعد أن أكدت مصادر حكومية رفيعة في آب الماضي، أنه تم البدء ببناء تحصينات لليرة السورية، لأنها كانت مكشوفة خلال الفترة السابقة، كان متوقعاً أن يعتمد مجلس النقد والتسليف سياسة نقدية أكثر حصافة، وجدوى، لكن المجلس لم يعلن عن سياسات أو خطط كهذه، واكتفى بالتشدد في معاقبة المخالفين، واستخدام وسيلة الوعيد والتهديد. إلا أن الإفلات من العقاب كانت ميزة اتسمت بها كل حملات التوقيف التي طالت موظفي شركات الصرافة المخالفة، وقد خرج عدد منهم من السجن عقب فترة وجيزة. ليكون السؤال الأكثر دقة الآن: إلى متى ستبقى أسعار الصرف عرضة للتقلبات والانعكاسات؟ وهل سيبقى المصرف المركزي ممارساً لدور المراقب للمخالفين، أم أنه سينتقل إلى أسلوب التدخل الفعلي والفعال، وترك أساليب بيع الشرائح التي لم يتقدم إليها أي من شركات ومكاتب الصرافة؟ كثرة الأسئلة تنم عن واقع مجدب، وحال مترهل، وغياب مذهل للمعلومات، التي يتقصد المركزي السوري اتباعها كأساليب مثيرة للسخرية في مجال معالجته لأزمة أسعار الصرف. ومع كل سؤال تظهر أسئلة فرعية أخرى، تثير المخاوف لدى الناس، وتسهم في تغذية الخوف من القادم، وتنشر في الوقت عينه حمّى عدم استقرار سعر الصرف، وتثير زوابع حقيقية في هذا المجال، نحصد تبعاتها وانعكاساتها السلبية دائماً. والغياب القسري على ما يبدو لمجلس النقد والتسليف، و قلة  التعاطي الإعلامي مع سعر الصرف، لم يخففا من حدة هذه الأزمة، ولن يسهما في فك عقدها المتشابكة، ووضع حل لشيفرتها الغامضة، فهناك ما هو أبعد من التحليلات، وأعمق من الآراء التي تُطلق هنا وهناك. إذ إن الواقع النقدي، وحقيقة الليرة، يعبران عن حال اقتصادنا المتهالك، ويعكسان المأزق الكبير الذي نراوح في لجّته، والدوامة الهائلة التي لا تترك مجالا لأحد للتفكير بهدوء وبصوابية، وهي المقدمة الدائمة الحضور لاستمرار المشكلة النقدية السورية.

لن يهدأ سعر صرف الليرة، ولن يستقر، في الفترة الراهنة على الأقل، لأن كل المعطيات الحالية تؤكد أن سعر الصرف سيبقى معرضاً للحملات والاستهداف والمسّ بقيمة الليرة، فضلاً عن وجود عوامل موضوعية اقتصادية ونقدية ومالية، تسهم في خلخلة سعر الصرف، وعدم استقراره، مقابل عدم الجدية التامة في وضع حد لهذا التراجع. وهناك معطيات تؤكد أن القرارات الادارية لن تنفع، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنها غير قادرة على تحقيق هدف تثبيت سعر الصرف، رغم كل ما تقوم به الجهات المختصة، إذا لم يترافق هذا الجهد بالتوازي مع إجراءات فعالة تتخذها السلطة النقدية ومجلس النقد والتسليف، وحاكم مصرف سورية المركزي. ولايمكن التعويض عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بالليرة ومالكيها، ومع كل هبة جديدة تستهدف سعر صرف الليرة، نكون أمام معطى نقدي جديد، لايمكن معالجته بسهولة، لكن الثابت أن توقف عجلة الاقتصاد، أو بطئها الشديد، هو السبب الذي يتصدر حالة الضعف التي تعاني منها الليرة، ونجاح حملات المضاربة عليها بسهولة، ومنذ أن توقف الإنتاج في حلب، الصيف الماضي، وتبعه توقف الإنتاج في غير محافظة وقطاع مهم، باتت الليرة لقمة سائغة في فم المضاربين، وعرضة لكل أشكال الاستهداف، وفقدان أدوات التحكم بسعرها الحقيقي. سعر صرف الليرة ليس كما يجب، رغم مزاعم بعض المسؤولين، إلا أن غياب الرؤية الحكومية عن سعر الصرف، والسعي لتحسينه بشكل يتجاوز الرغبات والتصريحات، وغيرها من مروحة الأسباب التي أدت إلى وصول الليرة إلى هذه الحال، يتطلب الإسراع للمحافظة على الليرة، وسعر صرفها، الذي بات بلا ملامح، أو قواعد تحدده، أو معايير يستند إليها، وهذا من أكبر الأخطاء بحق ليرتنا.

العدد 1107 - 22/5/2024