نقوش فوق ذاكرة الوطن

(1)

عادة تقوم (الثورة) من أجل الإنسان.. من أجل أن تخلق له (نظاماً) يتكئ على ركائز فكرية ومقومات أخلاقية حضارية وإنسانية، أتساءل.. ماذا قدمت (الثورات العربية) لشعوبها..؟  قدمت (الفوضى).. نعم (الفوضى) التي دفعت البعض إلى ارتكاب جرائم لا أخلاقية ولا إنسانية، وما يحدث في الوطن العربي يؤكد ما أرمي إليه..!!

(2)

ثقافة إلغاء الآخر.. إقصائه.. تغييبه.. تهميشه.. تحييده.. مفردات أنتجها فكر ظلامي أحمق غير قادر على (الحوار) لأنه في الأصل لا يمتلك ثقافة (الحوار).. ولا يمتلك  أيضاً  أدوات فكرية قادرة على الإقناع والمواجهة.

(3)

يفتخرون بأن (ضحاياهم) من أبناء جلدتهم كثر.. لا يمكن عدّهم أو إحصاؤهم.. فقد قتلوا وقنصوا وفخخوا وذبحوا وزرعوا عبوات ناسفة وارتكبوا مجازر جماعية ذهب ضحيتها الألوف من الأبرياء..يا لغبائهم.. يا لحماقتهم.. يا لتعاستهم لأنهم لا يدرون بأنهم هم (ضحايا) المكائد والدسائس والمؤامرات.

(4)

في العصر الجاهلي أطلقت تسمية (الصعاليك) على الفتيان الذين خرجوا على المجتمعات الجاهلية لتغيير ما فيها من ظلم وجور وأعراف وتقاليد.. وكانت لهؤلاء الفتيان رؤى وأحلام وطموحات يريدون تحقيقها في (الأرض). في العصر الحديث أطلقت تسمية (البلطجية) على الشبان الذين خرجوا على مجتمعاتهم لتغيير ما فيها من ديكتاتوريات واستبداد واستعباد، أما رؤاهم وأحلامهم وطموحاتهم فيريدون تحقيقها في (السماء)، ولكن شتان بين ما كان يمارسه (الصعاليك) من أجل ذلك وبين ما يمارسه هؤلاء (البلطجية) في عصرنا الحاضر!

(5)

أتساءل ماذا تريد (السماء) من (الأرض)..؟؟لقد جاء الرسل والأنبياء بتعاليم هدفها نشر المحبة والإخاء والتسامح وصياغة إنسان يرتقي بإنسانيته وأخلاقياته إلى أفق الملائكة..وهؤلاء الشباب الذين يقومون بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والتخريب والتدمير وزرع الرعب والخوف والفتنة بين الناس، يزعمون أنهم يقومون بنشر تعاليم (السماء) هل هذا ما تريده (السماء) منهم حقاً…؟ وهل ستستقبلهم (السماء) بالحفاوة والتقدير وتحتضنهم كأبناء بررة….؟؟ أم أنهم واهمون.. وحمقى.

(6)

 ها هم أولاء أراهم خلفَ السياجِ يتربصونَ بالأساطيرِ التي حَمَلتْ جراحَ الشمسِ على هودجٍ من غبارٍ، وينتظرون البرقَ كي ينيرَ لهم الدربَ نحو الجُلجُلة ها هم أراهم.. مرّوا من الشارعِ الخلفيّ  على رؤوسِ أصابعِهم مرّوا  حاملينَ أكفانَهم، ولم يكنْ بوسعيَ أن أتلو عليهم قصيدتيَ الأخيرة. قلتُ لهم  قبلَ أن يرحلوا  ما لا يقالُ عن مدنٍ تمرّغتْ بالوحلِ، واستعانتْ بالشياطينِ لتبلغَ ذروةِ المجدِ، قلتُ لهم كلاماً جميلاً عن الموتى، لم يسمعوه، فغادروني، وهم ينتعلونَ الهواجسَ والظنونَ…قلتُ لهم كلاماً جميلاً عن الفراتِ.. والمواويلِ الحزينةِ.. والغيومِ التي رحلتْ إلى مدنِ اليباسِ.. كانت الريحُ تعوي، كما يعوي ذئبٌ ضلَّ الطريقَ، وكان الغبارُ يتمتمُ.. كلاماً غريباً عن الجسرِ المعلّقِ بحبلٍ من مسد تبّتْ يدا من أوقدَ النارَ وسط هذا الزحامِ واستباحَ ترابَ الوطن! تبّتْ يدا من أوقدَ الفتن! الحقَّ أقولُ.. فاسمعوني.. لا ترشقوا أحلامَكم بالموبقاتِ في وضحِ النهارِ! لا تسرفوا في اقتناصِ النجومِ قبل أن تمضي خيولُ التتارِ نحو الهاوية! الحقَّ أقولُ.. هي لحظةُ الكشفِ قد أزمعتْ.. وحانَ الطوافُ حول الديارِ التي احتضنتْ سنابلَ قمحِنا.. وحكاياتِ جدّتنا.. ودمَ الشهيدِ! الحقَّ أقولُ.. لا تمسحوا دموعَ الوطنِ بمناديلِ الغيابِ والزندقة! الحقَّ أقولُ.. هذي قيامتُنا.. فهزّوا جذوعَ الأبجديّة كي تساقطَ الكلماتُ في جوفِ القصيدةِ، ورتّلوا الأناشيدَ للوطنِ الجميلِ ترتيلا!

العدد 1105 - 01/5/2024