يا نصيب… يا عبد الله!

وها قد ربحت الجائزة الكبرى في اليانصيب أخيراً، وقبرتَ الفقر الذي عاش لصيقاً بك وبسلالتك من قبلك. ماذا سيحدث الآن يا عبد الله؟

حتى لو أردتَ كتم الخبر واعتماد التعتيم الإعلامي وسيلة للتملص من الناس الذين سيأتون أفواجاً مهنئين وحاسدين، وطالبين بعضاً من الغنيمة التي جاءتك على البارد المستريح، فإن إدارة اليانصيب لن تتركك بحالك، وستنشر اسمك وصورتك على النشرة التالية، وسيتهافت عليك مراسلو المحطات الوطنية تحديداً، وهي المحطات الوحيدة التي يشاهدها جماعتك لأنهم يعتبرون كل القنوات التي تغرد بصوت مختلف مجرد أدوات في المؤامرة الكونية.

ستنفضح القصة يا عبدالله، وسيأتيك المحبون والحساد والمؤلفة قلوبهم، أقارب الدرجات كلها، أصدقاء نسيتهم بعد أن نسوك، وأصدقاء ما زالوا ملتزمين بإرسال تهنئة عبر رسائلSMS  المجانية لك في كل عيد، جيران سابقون وحاليون حتى عاشر جار، زملاء عمل صاروا في أرشيف الذاكرة…

سيأتون على كل ضامر من كل فج عميق، وهم يباركون بهذا النصر المؤزر لقريبهم وصديقهم وحبيبهم، ومعهم نساؤهم وأطفالهم، سيأتون بلا هدايا، تعرف ضيق الحال والتشرد والعوز، ولولا إعانات الـUN  والجمعيات والمنظمات الخيرية والإنسانية لمات الكثيرون منهم جوعاً…

ستتداخل الأصوات والشكاوى، الناس هذه الأيام مليئة بالمآسي، وعليك الاستماع وأنت تهز رأسك، لربما مددت يدك إلى (عبّك) وتكرمت عليهم بما تيسر، مادام المال جاءك على حين غرة، بغتة، ولم يعرق جبينك أو أي عضو آخر فيك وأنت تجنيه…

وإن انتخيت وفعلتها كان حسناً، وإلا فإنك مع كل وداع لمهنئ عند الباب ستتعرض للموقف نفسه:

ـ أبو العبد شوي إذا بتريد، بدي حاكيك بموضوع!

ينزوي بك جانباً وقد غمره الخجل والتردد، ثم يعيد شرح ضيق الحال ومتطلبات الأولاد وارتفاع تكاليف الحياة التي سئمها ولا أبالك يسأمِ، ثم ينهي الهمس بطلب  بضع مئات من الألوف قرضاً حسناً أو إلى أجل غير مسمى، يعني بالمختصر، صدقة جارية.

في البداية ستبدأ بالدفع لمن يكسب قصب السبق في التهنئة والطلب، ثم حين تجد أن الجائزة بدأت تتلاشى، ستقف عن الإقراض، وتبدأ بالوعود بالدفع في الزمان والمكان المناسبين، ثم لا تلبث أن تتراكم الوعود عليك، فتبدأ سياسة التطنيش المتعمد، تهز رأسك حتى ينهي حديثه، ثم تقول جملة يرددها ملايين السوريين هذه الأيام، جملة من الجمل القليلة التي توحدهم: الله يفرّج  أحسن شي…

لن يكون لديك الوقت ولا المزاج لتشرح لهم أنك منذ نعومة أظفارك وأنت تخوض هذه الحرب، اليانصيب.

كنت توفر خرجيتك اليومية لتشتري بطاقة ترميها بعد انتهاء سهرة اليانصيب وأنت تعد نفسك الأمّارة باليانصيب بأن لا تعيدها، وبعد أن كبرتَ قليلاً كنت تلغي أعز ما في هذه الدنيا عندك، الدخان الذي تشتريه سراً وتنفثه في حمامات المدرسة وعلى فرندة المنزل بعد أن ينام السيد الوالد، ليومين أو ثلاثة لتوفر ثمن البطاقة.

وبعد أن تزوجت من أم العبد صرت تفعل المستحيل لتخبىء عنها بعضاً من مصروف البيت الذي تتحكم فيه هي وتديره بعقلية محاسب ضليع، فقط من أجل هذه البطاقة السحرية التي تغير لونها وديكورها كل أسبوع، لكنها تحافظ على جاذبيتها لمن لا يفقد الأمل في الدولاب.

لن يكون لديك الوقت والجرأة لتقول إنك كنت في كل صلاة كنت تبدأ دعاءك وابتهالك بهذا الطلب.

هكذا سيكون الموقف لو ربحت الجائزة الكبرى يا عبدالله.

لكنك ستدير ظهرك لكل هذا الضجيج وتبدأ بتوزيع ما تبقى من الجائزة على مشاريع استثمارية رابحة، بعد أن تعيد ديونك التي تراكمت حتى كادت أن تطمرك، وتشتري لعبودة الصغير صندلاً بعد أن تشققت قدماه من اللعب حافياً، وتشتري كسوة صيفية وشتوية للعشرة أنفار الآخرين ولأم العبد التي لم تعرف ثياباً جديدة منذ عرسكما الميمون، أما أنت فدع عنك الجديد، وابق على قديمك.

في زحمة المخططات والمشاريع ونسب الفشل والنجاح تهزك يد متعبة، يد تعودت على رائحتها ودفئها:

ـ قوم يا عبد الله…قوم… تأخرت ع دوامك!

تفتح عينيك وتفركهما… أين وفود المهنئين والطالبين؟ والمشاريع والمخططات؟ ليس ثمة سوى وجه أم العبد الذي يطل عليك كل صباح ومساء.. تقوم مسرعاً بإجراءات ما بعد الاستيقاظ، تلبس اللباس الذي يحفظه زملاؤك والمراجعون منذ دهر، تتحسس بطاقة اليانصيب في جيب القميص الكاحت، تخرج من باب بيتك وأنت تقول: اللهم لا أسالك رد القضاء لكن أسالك اللطف فيه…

وتنتظر الجائزة يا عبد الله… أي جائزة؟!

العدد 1104 - 24/4/2024