ناغازاكي بعد سبعين عاماً.. قنبلتا أمريكا الذريتان وما سبّبتاه من موت سعيد

ولدت فكرة كتابة هذه الأسطر لدى قراءتي الكلمات الأولى من المقطع الثالث من مقالة عنوانها (بعد القنبلة الذرية الثانية)، ماذا تقول تلك الكلمات الأولى؟

(شهد الجنرال ليسلي غروفز، مدير مشروع مانهاتان، وهو المشروع الذي طور القنبلة الذرية، شهد أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، أن الموت بالإشعاع الذري عالي المنسوب إنما هو (موت لا ينتج عذاباً كبيراً)، بل هو (طريقة سعيدة جداً للموت). انتهى الاقتطاف.

المقالة مراجعة لكتاب بالإنكليزية عنوانه: (ناغازاكي: الحياة بعد الحرب النووية).. من الطبيعي أن الكتاب قد ظهر مؤخراً لأن المراجعة منشورة في جريدة يومية تتابع أخبار الكتب. الجريدة هي الأنترناشنا (نيويورك تايمز). والتاريخ هو العدد المزدوج 1 و2 آب 2015. اسم المؤلفة: سوزان ساثارد. أما المراجع فهو إيان بوروما، المدرس الجامعي. والناشر هو قايكنغ. الكل أمريكيون. ورد المقتطف في الكتاب. قراءة المقتطف تشعر القارئ بوحشية الجنرال الشاهد أمام مجلس الشيوخ، بل تشعره بنوع من التواطؤ في الوحشية بين الشاهد وبين من يؤدي الشهادة أمامهم.

لم يكن في حسباني أن أكرر الكتابة في المأساة التي شهدها العالم يومي السادس والتاسع من آب 1945 حين ألقت أمريكا قنبلتيها الذريتين على هيروشيما وناغازاكي. كتبت الكثير، طالبت بالكثير، وحين زرت هيروشيما سجلت أن من الواجب تغيير ما كتب على النصب التذكاري المقام هناك، بدا لي أن الكلمات على النصب تكاد تدل على جرم ارتكبه من ألقيت عليه القنبلتان.. لم يكن في حسباني أن أكرر الكتابة والمطالبات، إلا أن الكلمات الأولى من المقطع الثالث جعلتني أتغلب على قرار رفض الكتابة. ثمة، بعد ما قرأت، صيحة جديدة ينبغي أن تطلق.

وأطلقها هكذا وبالترتيب. ففي البداية علينا التأكد من أن ما ورد في الجريدة، نقلاً عن الكتاب دقيق، ثم علينا بعد ذلك أن نبحث عن حرفية شهادة الجنرال في سجلات مجلس الشيوخ، ثم علينا أن نتابع ردود فعل الشيوخ، ونتابع بعد ذلك ردود فعل من عرف بالشهادة من وسائل الإعلام. هل أثارت شهادة الجنرال ما ينبغي أن تثيره لدى أطباء أمريكا؟ لدى مفكريها وفلاسفتها؟ لدى أدبائها وشعرائها؟ هل سمعوا وصمتوا؟ هل صمتهم أشبه ما يكون بالتواطؤ؟

تلكم البدايات. أما النهايات عندي فأوضح. حاز رئيس أمريكا الحالي جائزة نوبل للسلم مباشرة بعد بدء عمله. لن أخوض الآن في تقييم أدائه. أطلب منه،وقد لا يكون قد اطلع في السابق على ما جرى في مجلس الشيوخ، إلا أن باستطاعته الآن أن يقرأ ما قرأت في جريدة أمريكا الأولى دولياً، أطلب منه موقفاً، رغم مضي سبعين عاماً على إلقاء القنبلتين، وربما على شهادة الجنرال السعيد بالموت السعيد.

أطلب من الرئيس أوباما أن يتحدث عن إلقاء القنبلتين من مكتبه في البيت الأبيض. أطلب منه أن يعبر عن اشمئزازه مما ورد في شهادة جنرال أمريكي حبب للناس أن تحرق بالذرة، مزيناً ذلك الاحتراق بأنه (موت سعيد).

أودع هذه الأسطر جريدة لبنانية عربية اللغة، قد تحالفني الريح، كما في تعبير لمحمود درويش، فيرسو طلبي في مرتبة عليا من جدول أعمال الرئيس الأمريكي أيام 6-9 آب 2015.

اليابان تحيي الذكرى السبعين

قرعت الأجراس الخميس 6 آب في هيروشيما اليابانية، إحياء لذكرى نحو 150 ألفاً من أبنائها الذين قضوا عام 1945 بجحيم أول قنبلة نووية في التاريخ.

وبهذه المناسبة، تجمّع آلاف الأشخاص صباح الخميس يتقدمهم رئيس الوزراء شينزو آبي وممثلون عن دول أجنبية في حديقة السلام التذكارية، التي أقيمت في المدينة إحياء للذكرى.

وأمام هذا الحشد وصف رئيس بلدية المدينة، كازومي ماتسوي، السلاح النووي بأنه (شر مطلق)، داعياً المجتمع الدولي إلى العمل من أجل القضاء على الأسلحة النووية، وطالب بإنشاء أنظمة أمنية لا تعتمد على القوة العسكرية.

تصريحات رئيس بلدية هيروشيما، تأتي في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن تحركات القادة اليابانيين نحو الابتعاد عن دستورها السلمي، إذ يسعى رئيس الوزراء شينزو آبي وحكومته إلى تمرير مشاريع قوانين في البرلمان قد تسمح بإرسال جنود يابانيين إلى مناطق الصراع للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يثير تصاعد التوترات والاحتجاجات في صفوف المعارضة بخصوص ذلك.

اليابانيون يحيون ذكرى القصف

في 26 تموز 1945 أصدر قادة دول التحالف إعلان بوتسدام الذي يحدد شروط استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، وقدمت الولايات المتحدة الإعلان كإنذار نهائي وتهديد بالتدمير الكامل للقوات المسلحة اليابانية في حال رفضه، لكن البيان الأمريكي لم يذكر أي شيء عن القنبلة الذرية. وجاء رد الحكومة اليابانية بعد يومين برفض إعلان بوتسدام، ولم يسع الإمبراطور هيرو هيتو لتغيير موقف الحكومة، بانتظار الرد السوفييتي على إعلان نوايا طرحتها طوكيو أمام موسكو لإنهاء الحرب.

على الجهة المقابلة كان الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، يخطط لمهاجمة اليابان باستخدام القنابل النووية بحجة إنهاء هذه الحرب سريعاً عن طريق إلحاق الدمار وزرع الخوف داخل الشعب الياباني، ثم إرغام البلاد على الاستسلام. فأعطى أوامره، بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي باستخدام قنابل نووية.

وفي 6 آب 1945 ألقت القاذفة الأمريكية (إينولا غاي)، وهي من طراز (بي-29) قنبلة (ليتل بوي) (الولد الصغير) التي تعادل قوتها التدميرية 16 كيلو طن من مادة الـ(تي إن تي)، وتسبب الانفجار في مقتل 140 ألف شخص، وخلف عشرات الآلاف من المصابين والمتضررين، ومن بقوا منهم على قيد الحياة مازالوا يتذكرون واحدة من أسوأ صفحات البشرية في التاريخ الحديث.

وبعد مضي 3 أيام من قنبلة هيروشيما، ألقت قاذفة أمريكية أخرى قنبلة بلوتونيوم، أو ما تعرف بقنبلة (الرجل البدين) على مدينة ناغازاكي الساحلية ما أدى إلى مقتل 74 ألف شخص.

هاتان القنبلتان أجبرتا الإمبراطورية اليابانية على إعلان استسلامها في 15 آب 1945 لتنتهي بذلك الحرب العالمية الثانية.

ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه اليابانيون في الأرواح، فإن الولايات المتحدة تصر على أن القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما على المدينتين اليابانيتين كانتا ضروريتين من أجل وضع حد للحرب العالمية الثانية .

العدد 1105 - 01/5/2024