تعديل قانون العقوبات السوري.. ضرورة يفرضها مبدأ المساواة «2 من 2»

في مجال تنظيم الأسرة

 

* المادة523

من أقدم بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة208 على وصف أو إذاعة الأساليب الآيلة لمنع الحمل، أو عرض أن يذيعها بقصد الدعارة لمنع الحمل، عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مئة ليرة.

* المادة524

يعاقب بالعقوبة نفسها من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع، أية مادة من المواد المعدة لمنع الحبل أو سهّل استعمالها بأية طريقة كانت.

نجد أن هاتين المادتين غير متوافقتين مع سياسة الدولة المتبعة إزاء تنظيم الأسرة، لاسيما بعد الارتفاع الكبير في عدد السكان، وخاصة ارتفاع نسبة الأطفال إلى عدد السكان في السنوات الأخيرة، وهذا يقتضي توافق القوانين والعقوبات مع السياسات المجتمعية المتبعة. وإلاّ فإن جميع العاملين في الحقل الإعلامي والطبي وتنظيم الأسرة هم واقعون تحت طائلة العقوبة والمحاسبة وفق هذه المواد.

* المواد525- 526- 528-532 هي مواد متعلّقة بالإجهاض، ومَثَلُها مثل المواد المتعلّقة بمنع الحمل، لم تعد بمجملها متوافقة والحياة الصحية والطبية والعلمية في المجتمع. إذ إن العلم قد تطور تطوراً لافتاً أصبحت معه إمكانية معرفة أن الجنين مشوّه أو معوق مُتاحة، وبالتالي يكون الاستمرار في الحمل جريمة أكبر، لأنه سيُفضي إلى مشكلة اجتماعية وصحية كبيرة ترهق كاهل الأسرة والمجتمع والدولة على حدّ سواء. وهنا على المشرّع سن تشريعات مواكبة للتقدم العلمي والاجتماعي من أجل محاولة خلق مجتمع شبه خالٍ من الإعاقات والأمراض الوراثية.

 

في مجال العنف الأسري

 

* المادة185

1- لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة.

2- يجيز القانون:

أ- ضروب التأديب التي يُنزلها بالأولاد آباؤهم وأساتذتهم على نحو ما يبيحه العرف العام.

واضح في هذه المادة الاعتراف بالعنف المُمارس على الأطفال تماشياً مع العرف الاجتماعي الذي أجازه القانون في هذه المادة، واعتماد الضرب أسلوباً تربوياً في البيت والمدرسة، وهذا ما يتناقض مع اتفاقية حقوق الطفل لاسيما في مادتها19 التي تنص:

1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من جميع أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، وبضمن ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته.

وواضح كذلك تعارضها مع تعليمات وزارة التربية بمنع الضرب في المدارس ومُعاقبة المعلم الذي يُقدم على هذا التصرف.

وهنا نعيد التذكير بضرورة إخراج مسودة مشروع قانون الطفل الذي أعدته الهيئة السورية لشؤون الأسرة من الأدراج الموصدة كي يرى النور مواكباً المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الطفل.

* المادة540

1- من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه، ولم ينجم عن هذه الأفعال تعطيل شخص عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام، عوقب بناءً على شكوى المتضرر بالحبس ستة أشهر على الأكثر، أو بالحبس التكديري وبالغرامة من خمس وعشرين إلى مئة ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

* المادة541

1- إذا نجم عن الأذى الحاصل تعطيل شخص عن العمل مدة تزيد على عشرة أيام عوقب المجرم بالحبس مدة لا تتجاوز السنة، وبغرامة مئة ليرة على الأكثر، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

* المادة542

إذا جاوز التعطيل عن العمل العشرين يوماً قضي بعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، فضلاً عن الغرامة السابق ذكرها.

* المادة544

يعاقب بالعقوبة نفسها من تسبب بإحدى الطرائق المذكورة في المادة540 بإجهاض حامل وهو على علم بحملها.

قد لا يظهر للقارئ أن هذه المواد متعلقة بالعنف الأسري، لكنني أرى أنها تقع في صميم هذا العنف، وإن لم تتناول المسميات بحذافيرها. إذ إن القانون السوري يُعاقب الزوج الذي يُقدم على ضرب زوجته بالحبس وبالغرامة المالية، كما هو وارد في المادة540. لكننا نجد أن هذه العقوبة غير مجدية لسببين: أولهما صمت المرأة ذاتها عن تلك الممارسات المشينة والإجرامية بحقها بهدف صون الأسرة وكرامتها وعدم التشهير بالزوج وفق الأعراف المتبعة. وثانيهما أن القيّمين على القانون غالباً ما نجدهم غير جادين في إحقاق العدالة وصون حقوق المرأة في مثل هذه الحالات، لأنهم يحملون الذهنية الذكورية ذاتها تجاه المرأة، أوليسوا هم أبناء المجتمع ذاته..؟

* المادة555

من حرم آخر حريته الشخصية بأية وسيلة كانت، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين.

* المادة556

أ- إذا جاوزت مدة حرمان الحرية الشهر.

ب- إذا أنزل بمن حرم حريته تعذيب جسدي أو معنوي.

يقضى على المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة. 

إن هاتين المادتين مترابطتان مع المواد المتعلقة بالضرب أعلاه، وهي مواد تُفضي إلى العلاقات الزوجية والأسرية كذلك. فكم من الأزواج يقيدون حرية زوجاتهم ويمنعونهن من الخروج ومن العمل، مترافقاً ذلك مع التعذيب الجسدي والنفسي. وللأسف لا قانون يُحاسب أولئك الأزواج على اعتبار أن الزوجة ملكية خاصة للرجل، يتصرف بها كما يشاء دون رادع.

إن هذا الواقع بمجمله يتطلب من المشرّع سنّ قانون أسرة يواكب جميع المتغيرات التي طرأت على أفرادها والعلاقات التي تحكمها، بالاستناد إلى الدستور، واتفاقية حقوق الطفل، وكذلك اتفاقية السيداو، اللتين صادقت عليهما الحكومة السورية. 

إن تشكيل لجنة لتعديل القوانين التمييزية ضدّ المرأة بما يتوافق والدستور والمعاهدات الدولية، يُشرّع أمامنا أبواب الأمل في وصول المرأة إلى ما تستحق، لأنها شريك أساسي وفعّال في هذا المجتمع. وعندما تُرتكب الجرائم غير العادلة بحقها، فهذا يعني أن هناك خللاً ما في المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، وبالتالي فهناك خلل واضح في الكثير من القوانين والتشريعات التي ابتعدت بالمجتمع عن جادة الحقوق التي كفلها الدستور لجميع المواطنين.

العدد 1105 - 01/5/2024