كارل ماركس وزوجته.. وصديقهما فريدريك إنجلز

ماركس، مطروداً من باريس، ذهب مع هاينريش برجرس إلى بروكسل، ووصل إليها في 5 شباط 1845. ولحقت به زوجته بعد قليل مع طفلتهما.

في مخطوطة بعنوان (لمحة موجزة عن حياة مضطربة)، كتبت جني ماركس بصدد رحيلهما من باريس: (في أوائل 1845 حضر مفوض الشرطة فجأةً الى بيتنا، وأبلغنا مرسوم طرد اتخذه غيزو بناء على طلب الحكومة البروسية، وينص على أن على ماركس أن يغادر باريس خلال 24 ساعة. وقد ترك لي مدةً أطول استفدت منها لبيع أثاثي وقسم من ملابسي بسعر تافه، لأنه كان علي الحصول على ثمن السفر. أسرة هرفنغ استضافتني يومين. مريضة وفي برد قارس، التحقت بماركس في بروكسل في أوائل شباط).

بعد وصول ماركس بيومين، في 7 شباط، وجه رسالة إلى ملك البلجيكيين ليوبولد الأول، يلتمس فيه إذناً بالإقامة لم ينله إلا بصعوبة، وهذا هو نص الرسالة: (سيدي، أنا الموقع أدناه، كارل ماركس، دكتور في الفلسفة، عمره 26 سنة، من مدينة تريف مملكة بروسيا، إذ ينوي الإقامة مع زوجته وولده في ولايات جلالتكم، يسمح لنفسه بأن يرجوكم بأن تتفضلوا بمنحه إذن إقامة منزله في بلجيكا. وله الشرف بأن يكون، مع أعمق الاحترام لجلالتكم، خادمها البالغ التواضع والطاعة)، (توقيع: د.كارل ماركس).

لقد كان ماركس مشبوهاً للحكومة البلجيكية بسبب نشاطه الثوري، وكان وزير العدل قد أعطى، منذ أن بلغ نبأ وصوله، الأمر لمصالح الأمن بمراقبته عن قرب بوصفه ديمقراطياً وشيوعياً خطراً. شبهات الحكومة البلجيكية إزاءه ثبتها تقرير مخبر في الشرطة مؤرخ بتاريخ 14 شباط، يشير إلى أن (ماركس ينوي أن يصدر في بلجيكا مع كارل هاينتسن جريدة ألمانية وأن ينشرها سراً في المانيا، الأمر الذي لا بد أن يثير صعوبات مع هذا البلد). بناء على هذا، رجا رئيس مصلحة الأمن العام في 19 شباط رئيس بلدية بروكسل أن يستعلم لمعرفة (ما إذا كان ماركس ينوي مواصلة إصدار جريدة (إلى الأمام) في بلجيكا). وزادت مخاوفَ السلطات البلجيكية رسالةٌ من رئيس شرطة أخن، المدعو إيكس لا شابيل، بتاريخ 3 اذار تسأل ما إذا كان هرفنغ وروجه وماركس وبورنشتاين يقيمون في بروكسل، وما إذا كانوا ينوون المجيء إلى بروسيا.

رداً على طلب رئيس مصلحة الأمن، أخبره رئيس بلدية بروكسل في 15 آذار، أن ماركس لا ينوي سوى الاهتمام بالاقتصاد السياسي، وأنه دعم أقواله بعقد موقع من الناشر (لسكه) في دارمشتادت يتصل بإصدار كتاب عنوانه (الاقتصاد السياسي). ومع ذلك، لم يمنح ماركس إذن الإقامة إلا بعد أن تعهد في 22 آذار خطياً بأن لا ينشر شيئاً عن المسائل السياسية، التالية نصها: (للحصول على ترخيص الإقامة في بلجيكا، أوافق على الالتزام بشرفي بأن لا أنشر في بلجيكا أي مؤلف عن سياسة اليوم، (توقيع كارل ماركس).

لقد كان هم كارل ماركس الأول تلبية حاجات عائلته، نجح في ذلك بادئ بدء بفضل المعونة المالية التي تلقاها من إنجلز ويونغ، والسلفة النقدية التي رضي بتقديمها الناشر (لسكه) على كتاب (نقد السياسة والاقتصاد السياسي) الذي كان يزمع إصداره.

أول اكتتاب فتحه إنجلز كانت حصيلته 50 ثالر، اوصلها إنجلز إلى ماركس في مطلع آذار 1845.

بعد أيام قليلة، أرسل إليه إنجلز 122 فرنكاً.

تلقى ماركس من يونغ في نيسان 720 فرنكاً.

تلقى من لسكه 1500 فرنك

مجموع هذه المبالغ نحو 2500 فرنك. كان كبيراً بالنسبة للعصر، فقد كان يمثل 3 مرات المرتب السنوي لمعلم مدرسة.

بالجهد الذي بذله إنجلز لتنظيم لوائح معونات مالية ظهر للمرة الأولى، الصديق الوفي والمخلص، الذي سيبقاه طوال حياته تجاه ماركس، لا سيما في الفترة التي كان فيها هذا الأخير مع أسرته، فريسه بؤس رهيب، والتي فيها، مساعدة إنجلز الدائمة سمحت هي وحدها لماركس، بأن يسير بعمله إلى نهاية جديدة.

العدد 1105 - 01/5/2024