همّ الوطن.. وهمّ المرأة

كل الحب.. والحياة للمرأة في يومها العالمي

قد يكون بحث قضية المرأة في هذه الفترة الحرجة والدقيقة التي تعيشها بلادنا صعباً ومعقداً، بعد أن أصبحت معظم المناطق السورية ساخنة ويجتاحها الاضطراب والاقتتال والتدمير والعنف بكل أشكاله، مما يعرض الشعب كله رجالاً ونساء وأطفالاً لمخاطر هائلة، كما يعرضهم للنزوح والتشرد ولأخطار مميتة، وتعاني المرأة في هذه الأوضاع ظلماً مضاعفاً.

ومن عمق الألم الذي نشعر به تجاه شعبنا، تجاه أناس أبرياء يسعى المعتدون لتجريدهم من إنسانيتهم، ندين بشدة في هذا اليوم الممارسات اللاإنسانية والأساليب البشعة في اقتراف المجازر الرهيبة وقتل النساء والأطفال وتدمير المدن، ونستنكر بشكل عام الاستهتار بحق الإنسان في الحياة وفي حرية التعبير عن رأيه.. ندين اعتقال الأبرياء وتعرضهم لأقسى أنواع التعذيب دون أن يشاركوا بأي عمل إجرامي ودون أن تتلطخ أيديهم بالدماء.. ويجري ذلك دون أن يقدموا لأية محكمة.. إن ما يجري على الساحة السورية هو استهتار بالقوانين الدولية التي تؤكد أهمية حماية حقوق الإنسان بالدرجة الأولى.

نرفض مسلسلات الإجرام التي ترتكب بحق شعبنا من أية جهة كانت، ونحمّل القوى السياسية في السلطة وخارجها مسؤولية الوضع السياسي والأمني، ونطالب بوقف العنف فوراً، واعتماد خطاب سياسي مسؤول ينقذ سورية باعتماد الحوار الديمقراطي مدخلاً فعلياً لحل الخلافات وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل اعتبار.. والتدخل العاجل لوضع حد للمارسات التعسفية التي تلحق آثاراً مأسوية بالمرأة السورية وأوضاعها الأسرية.

كما أن ما يجري يضع المرأة السورية أمام تحديات حضور القوى الظلامية المتطرفة ونهوضها، ما يحدد نمو الحركة الديمقراطية ويهدد المكاسب التي حققتها المرأة ويديم تهميشها ويعرقل مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة والخاصة.

إن قضية الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، في هذه المناطق الساخنة صعبة ومعقدة، وإذا كان من تخصيص للمرأة في هذا اليوم، فهو لها، لأنها الحلقة الأكثر تأثراً في محيطها، وعضو فاعل ومؤثر في هذه المجتمعات التي يجتاحها العنف بكل أنواعه، وكان لها دور حاسم ومؤثر في الماضي في رفض الظلم والقهر والفساد.

إن المساواة الفعلية بين الجنسين واحترام الحقوق الإنسانية للمرأة من جهة، وتحقيق السلام من جهة ثانية، هما في تلازم وثيق، وإنه لمن الضروري من أجل التوصل إلى سلام دائم أن ندرك هذه المعادلة بعمقها، فالمرأة ضحية للصراعات وعنصر رئيس للحل.

اليوم العالمي للمرأة

في عام 1857 كانت بذور أول اصطفاف لحركة نسائية في مدينة نيويورك، فقد قامت عاملات النسيج بالإضراب احتجاجاً على ظروف عملهن واستغلالهن.. وقد ألهم هذا التحرك العديد من القوى الاجتماعية والسياسية في أوربا، وكان أبرزها مؤتمر النساء الاشتراكيات في كوبنهاغن عام 1910 برئاسة المناضلة الألمانية كلارا زايتكين. وفي هذا المؤتمر اقترح الثامن من آذار يوماً عالمياً للمرأة يسطّر نضالاتها.

ومعروف أن المناضلة كلارا زايتكين أشرفت على مجلة (المساواة)، وكانت مجلة هامة جداً في ذلك العصر توزع على 125 مشتركاً باسم (أممية النساء الاشتراكيات). وقد نشرت صحيفة (الأومانتيه) الفرنسية في 5 آذار 1955 مقالة ذكرت فيها تاريخ 8 آذار، والاحتفال به يعود إلى ذكرى إضراب عاملات النسيج والخياطة في نيويورك عام 1857.

المرأة السورية في اليوم العالمي للمرأة

مايزال التمييز القانوني للمرأة سيد الموقف، ويذكّرنا هذا اليوم من كل سنة بأن أحوال المرأة السورية وأوضاعها تحتاج إلى عناية، فهي مازالت تعاني عنف التمييز في القانون وفي الثقافة السائدة، ومازالت بعيدة عن المشاركة الجادة والفعلية في صنع القرار في الحياة السياسية والعامة، ومازالت كرامتها الإنسانية تمسّ في قوانين العقوبات والأحوال الشخصية وقانون الجنسية، رغم كثرة نشاطات النساء السوريات وتنوعها، رفضاً لتهميشهن وإنكار حقوقهن.. ولم تتمكن المرأة السورية حتى الآن من انتزاع مكاسب فعلية في الحقوق رغم كثرة الوعود التي انتظرت تحقيقها، من مختلف المسؤولين، وأن هناك لجاناً تعمل لإنجاز مثل هذه التعديلات. ومن المفيد التنبيه أن نضال المرأة السورية من أجل تعديل هذه القوانين يعود إلى السبعينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، ومن أبرز القوانين التمييزية قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون العقوبات وغيرها. وتبقى حقوق النساء هدفاً مستحيلاً مادام الوضع على ما هو عليه.

لقد صادقت سورية على الاتفاقية الدولية (سيداو) لإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ولكنها تحفظت على إلغاء التمييز ضد المرأة في نظامها القانوني وواقعها الاجتماعي، أي بمصادقة على الاتفاق والتحفظ على مواد أساسية مؤثرة فيه (أشارت إليها جريدة النور في دراسات عديدة سابقة). ولم تجر إعادة نظر حقيقية في الكثير من تشريعاتها التمييزية ضد المرأة في ضوء الاتفاقية الدولية.. الأمر الذي أبقى هذه المواد غير ملزمة بالنسبة لسورية، خاصة المادة الثانية من الاتفاقية التي تطالب الدول الأطراف بمراجعة شاملة لتشريعاتها الوطنية بهدف القضاء على التمييز ضد المرأة وإحقاق مساواتها مع الرجل، وتأمين الحماية ضد أي شكل من أشكال الانتقاص من إنسانية المرأة وحريتها.

لقد عبر التحفظ السوري الرسمي على هذه المادة، وهو يشبه كل التحفظات العربية، عن ذهنية تشريعية محافظة تتوارى وراء الشريعة الإسلامية حيناً مروراً بالقوانين النافذة ذات الأصول الإسلامية حيناً آخر، من أجل إبقاء حال المرأة على ماهي عليه، وهذا ما يتنافى مع النزعة التغييرية التي هدفت الاتفاقية الدولية لتحقيقها.

إن نظرة قانونية صرفة يمكنها أن تؤدي إلى طرح أسئلة مشروعة حول مدى مطالبة المصادقة والتحفظات مع الدستور السوري والقانون الدولي، وهناك حزمة كبيرة من القضايا الاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية التي تواجه المرأة والفتاة السورية منها: الأمية، وزواج القاصرات، وغيرها، وهذا يحتاج إلى أبحاث مطولة.

ولا تختلف أوضاع المرأة في البلدان العربية الأخرى، إلا باختلاف الحصول على بعض الحقوق التي حصلت عليها المرأة.. فالتمييز ضد المرأة في بلادنا العربية ظاهرة اجتماعية شديدة التعقيد، متسعة النطاق، إضافة إلى أنها متأصلة في بنية المجتمع، وهذا ما يستدعي بذل المزيد من النضال المتعدد الوجوه، وصولاً إلى معالجة هذه الظاهرة، ولطالما سلكت قضية المرأة دروباً وعرة ملتوية، وثمة من يعيد أصل المشكلة إلى أزمة الحرية، وأزمة القوانين المجحفة، وأزمة التربية والتعليم التي تشكل سلم الوصول إلى المراكز السياسية والقيادية دون غيرها من السبل.

إن تعليم المرأة هو أقصر الطرق إلى تمكينها، فهي تكتسب معرفة وقدرات تؤمن لها الفرص اللازمة.

فالثقافة كائن حي يتطور وينمو بتأثير عوامل أخرى، عوامل مرتبطة بالتنمية بمعنى التنمية البشرية المستدامة، فهل تستطيع شروط مجتمعاتنا أو تساعد على تعديل عناصر الضرورة التي ترتسم في أفقها صورة امرأة العصر الآتي؟

إن العالم يدخل عصراً آخر هو عصر (الثورة الثالثة)، ثورة المعلومات والاتصالات، ولابد أن تعي المرأة جيداً أن موقعها في هذا العصر ومكانتها فيه تتوقف على مقدار ما تمتلك من معارف وما تكتسب من مهارات.

إن أعمال العنف ضد النساء أحد أسوأ الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومادامت هذه الممارسات مستمرة، فلن نستطيع الادعاء بأننا نحقق تقدماً فعلياً نحو تحقيق المساواة والتنمية والسلام.

ومازلنا نتطلع في يوم المرأة العالمي بألم بالغ إزاء استمرار مناخ ينتقص من حقوق المرأة ويسلبها العديد من الحقوق التي كفلها لها الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

ومازلنا بعيدين عن الاحتفال في الوقت الذي تتعرض فيه النساء لشتى أنواع القهر والعذاب والتمييز، وأعتقد أن المرأة تتحمل جزءاً من الغبن الواقع عليها، بل تساهم فيه بتساهلها في حقوقها بدلاً من الدفاع عنها، وأنها من خلال موقعها يمكن أن تساهم في التغيير.. وأعتقد أن هناك حاجة ماسة لأن تصبح المرأة أكثر تنظيماً في داخل الأحزاب السياسية، وأن تشغل مواقع قيادية فيها، فهذا سيصقل شخصيتها ويجعلها أكثر قدرة على المواجهة.

وأخيراً.. يخامرني الشك والقلق في أن مثقفينا وباحثينا العرب يهتمون كثيراً بقضايا التمييز ضد المرأة، فهي غالباً ليست على جدول أعمالهم، فنادراً ما يحدث أن يكتب أحدهم ولم يحدث أن طالب أحدهم بفتح ما نسميه الملفات الخطيرة المحيطة بالمرأة، كملف الأحوال الشخصية على سبيل المثال، وهكذا تغيب المرأة ومشكلاتها عن السجال اليومي، فلا يتم التساؤل عن الهدر الناتج عن استثمار طاقاتها، وهي نصف المجتمع وتزيد.. كما لا يثير غضبَ أحد أو استياءه غيابُها عن الكثير من المجالات المتعلقة بإدارة الدولة والمجتمع.

والحركات النسائية العربية في كل ذلك لا تنفك هي الأخرى تردد خطاباً عفا عليه الزمن، ممهوراً بالتحفظ، تساوم تحت سقف المحافظة والتقليد، تريد أكثر أو أقل لكنها عاجزة عن فرض التغيير أو حتى عن المطالبه به.. في الوقت الذي يجب أن تكون الحركة النسوية حركة ثورية تغييرية تهدف إلى تحطيم البداهات الخاطئة ووضع المرأة في المكان الفاعل في المجتمع.. فيوم الثامن من آذار هو صنيعة (النساء الاشتراكيات) اللواتي أجمعن على صنعه.

لقد مر قرن وأربع سنوات على الثامن من آذار 1910-2014 عندما احتفل العالم لأول مرة باليوم العالمي للمرأة، وتبنته الأمم المتحدة في 8 آذار 1977 (37 عاماً).. ماذا يمكن القول والكتابة أكثر في اليوم العالمي للمرأة، وكأن قضية تحرير المرأة لم يمر عليها أكثر من قرن ونيف.

لا يمكن لأي إنسان أن يأخذ كامل حقوقه بسهولة، بل لا يمكنه أن ينتظر من الآخرين منح هذه الحقوق له مجاناً أو شفقة.. وحدها المطالبة المستمرة المتواصلة بالحقوق المشروعة في كل الأوقات وعلى جميع المستويات يمكنها أن تعطي النتيجة.. وشيء مهم أن يكون للمرأة العربية يوم واحد، وإن كان عام كامل ضيقاً على عالم المرأة الواسع، والأهم هو أن تأخذ المرأة العربية دورها الطبيعي في الحياة بكل الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية.

لن يتحقق النهوض بقضية المرأة إلا إذا أخذت طابع مهمة وطنية!

كل التحية لنساء بلادنا حيثما وُجدن!

العدد 1104 - 24/4/2024