الأزمة الرأسمالية وفرغسون وقمع الدولة

بغض النظر عن تطور الانتفاضة في بلدة فرغسون الأمريكية على خلفية قتل شرطي لشاب أسود أعزل وتبرئة ذلك الشرطي (الأمر الذي تكرر قبل أيام في نيويورك)، هناك أمرٌ واحد أكيد، وهو أن الانتفاضة وتصميم الناس في فرغسون، وخصوصاً الشبيبة الأمريكية الإفريقية، ليس مصادفة.

 لقد خضع السكان السود في فرغسون لكل القوى القهر التي يخضع لها العمال والمظلومون في الولايات المتحدة. لكن الأزمة الحالية للرأسمالية، وكذلك تاريخ العنصرية والاضطهاد القومي جعلت هذه القوى أكثر عنفاً في فرغسون. النظام الرأسمالي في مرحلة الطريق المسدود، هذا يعني أنه يظل راكداً مع نمو بطيء أو حتى انكماش، وبعد خمسة أعوام من إعلان الحكومة (التعافي) لا يزال نظام الربح عاجزاً عن النمو. وإذا كانت الرأسمالية لا تستطيع النمو، فإن القيمة التي تستأجر بها العمال تنخفض. وما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة للطبقة العاملة أن أرباب العمل تحولوا خلال العقود الماضية إلى المزيد والمزيد من الأتمتة. وزاد هذا من تقليص الحاجة إلى العمال وتقليص الأجور. ويسبب هذا نمو ما يسميه الماركسيون بـ (الجيش الاحتياطي من العاطلين عن العمل). ينمو هذا الجيش طوال القوت مع خروج الناس من القوة العاملة، وقد نما هذا الجيش من العاطلين عن العمل أو العاملين جزئياً خصوصاً بين الشباب، دون نهاية في الأفق، لا مستقبل للشباب في ظل رأسمالية في طريق مسدود، هؤلاء هم الشباب الذين قادوا الانتفاضة في فرغسون.

ماذا تخشى الطبقة الحاكمة؟

إن سبب رد فعل الإدارة المفرط والرهيب على المقاومة في فرغسون هو أن الرأسماليين والطبقة الحاكمة لا يملكون حلاً للأزمة. وليست لديهم النية لعمل أي شيء للتعامل مع المشكلات العميقة التي تؤثر على الجماهير ـ وخصوصاً الشباب ـ في الولايات المتحدة ككل، وفرغسون على وجه الخصوص. تحتاج الطبقة الحاكمة إلى الشرطة لفرض الظلم والاضطهاد، ولهذا السبب تقف الإدارة دوماً مع الشرطة. ولهذا السبب خلق حاكم ولاية ميسوري، التي تتبع لها فرغسون، حالة الطوارئ باستدعاء الحرس الوطني. ولهذا السبب شنت كل الوكالات الشرطية وصحافة البيزنس الكبير حملة من الإرهاب النفسي، مع تهديدات لا تنتهي باستخدام العنف الشديد إذا مارس أحدهم حق التمرد ضد العنف العنصري. ولهذا السبب أحضرت الحكومة الاتحادية، من خلال مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، فرق التدخل السريع.

لقد نشروا جيشاً منسقاً جاهزاً للقتال كحملة إرهاب شرطية حقيقية. توجد قوة نارية مكدسة كافية لخوض حرب، سوى أن (العدو) هم سكان فرغسون المدنيون الذين يناضلون من أجل العدل. كل شخص في الإدارة في الولايات المتحدة يعلم أن الطريقة الوحيدة لحلّ الأزمة الطويلة الأمد في فرغسون، وآلاف الـ (فرغسونات) في الولايات المتحدة هي منح الناس عملاً ودخلاً، تعليماً وسكناً مقبولاً، عناية صحية نوعية وحياة كريمة خالية من الاضطهاد. ويعني ذلك إخراج المحتلين الشرطيين العنصريين من المجتمع. لكن الرأسمالية، بسبب أزمتها، تسير في الاتجاه المعاكس تماماً. إنها تسلب القليل الذي يملكه الناس وتجبرهم على العيش إما في استغلال مفرط أو في كسل البطالة.

معدل الفقر في فرغسون أعلى من المعدل الوطني

ارتفع المعدل الرسمي للفقر في الولايات المتحدة إلى 15 في المئة، أما في فرغسون فيبلغ 25 في المئة، أي ربع الأسر. المعدل الوطني للبطالة مرتفع جداً ويبلغ 9.6 في المئة، أما في فيرغسون فيبلغ 19 في المئة. وارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون على قسائم الطعام في الولايات المتحدة إلى خمسين مليوناً. أما في فرغسون التي يبلغ عدد سكانها 21 ألفاً فتعتمد 800 أسرة الآن على قسائم الطعام. وفوق كل شيء عاش سكان فرغسون في ولاية شرطة عنصرية فعلية. وهذه العنصرية متجذرة عميقاً في العبودية. يقتل رجال الشرطة البيض السكان السود ويضربونهم دون أن يلقوا عقاباً. لم يُعتقل رجال الشرطة ولم توجه إليهم أية اتهامات. تضع الشرطة والمحاكم العنصرية القوانين. وتنفذ اعتقالات اعتباطية. تأثر التعليم العام على المستوى الوطني مع عدم رغبة الرأسماليين تقديم النقود لتعليم الشبيبة الفقيرة، وخصوصاً السوداء واللاتينية. كان التعليم العام ذات يوم وسيلة لمنح التدريب لشبيبة الطبقة العاملة، حيث استطاعوا دخول سوق العمل وجلب مستوى معين من المهارة لأرباب العمل. أما الآن، وبسبب الأتمتة، فلا حاجة للرأسماليين لتدريب أطفال الطبقة العاملة. يريدون قبل كل شيء قوة عمل أصغر وأكثر نخبوية. ولذلك خفضوا تمويل نظام المدارس العامة، وانتقلوا إلى مدارس بامتيازات، وجعلوا التعليم عملاً مربحاً بخصخصة المدارس، تغلق في مدينة بعد أخرى ـ فيلادلفيا وشيكاغو ونيويورك وغيرها ـ مئات المدارس العامة، وتنتشر المدارس ذات الامتيازات. في فرغسون، المدرسة العليا الرئيسة للجالية السوداء، نورماندي، أهملت كلياً. هبطت مرتبة المدرسة وفقدت إجازتها. أما مدارس البيض النخبوية فهي ممولة جيداً.

الشبيبة الفقيرة سكان فائضون

ينظر الرأسماليون الأمريكيون إلى العديد من الشبان الأمريكيين الأفارقة واللاتينينيين كسكان فائضين، سكان للاستخدام في الأعمال الأدنى أجراً أو عدم استخدامهم على الإطلاق.

في فرغسون تزدهر الشركات العملاقة في حين يعيش السكان على حافة البقاء. هذا ما تحمله المرحلة الجديدة، الطريق المسدود، من الرأسمالية معها: كبار الأثرياء يزدادون ثراء إلى جانب فقر رهيب وبطالة وصعوبات تزداد عمقاً. فرغسون في الحقيقة عالم صغير تبرز فيه أزمة الرأسمالية بشدة كبيرة.

استخدمت الطبقة الرأسمالية العنصرية لغرضين دوماً. الأول سياسي، فرّق تسد، لمنع الطبقة العاملة من التوحد ضد عدوها المشترك، رؤساء الشركات والرأسماليين والمصرفيين الذين يراكمون الأرباح ويعيشون من عمل الناس. والثاني مالي، فباستخدام العنصرية يتمكنون من تحقيق أرباح إضافية من خلال الاستغلال المفرط للسود واللاتينيين وغيرهم من الجماعات المظلومة.

العدد 1105 - 01/5/2024