خسرنا.. لكننا رابحون

المشهد الأول: سوريون وسوريات من مختلف الأعمار.. في المدن.. القرى.. الساحات.. المنازل، وحتى على جبهات القتال، الجميع متسمرون أمام شاشات التلفاز. أعلام سورية تملأ الأماكن، أغاني للمنتخب تسمعها من كل صوب، حماس، توتر، قلوب مرتجفة، أمل وأمل وأمل.. وبدأت المباراة.

المشهد الثاني: حزن يعم الأجواء، بكاء، دموع، خيبات أمل واضحة على الوجوه.

إنها الخسارة.

وما بين المشهدين، علقت آمال شعب كامل، شعب عانى على مدى سبع سنوات ولا يزال يعاني مرارة الحرب، حرب لربما تكون الأبشع والأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث، شعب يعاني القتال والقهر والتهجير كل يوم، يعاني الغلاء والجوع، شعب اختلف سياسياً وانقسم على مدى سبع سنوات، واجتمع أخيراً لتشجيع منتخب البلاد.

لقد التف السوريون بمختلف انتماءاتهم، بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم، حول منتخبهم الذي وصل إلى التصفيات النهائية لكأس العالم، بعد سنوات طويلة من الغياب.. ولم يغب عن جمهور المشجعين إلا قلة قليلة من يعتبرون العداء للوطن ومنتخب الوطن مدعاة فخر، فأولئك ما كنا لنعول عليهم ولن نفعل، فالخيانة برأيهم وجهة نظر لا أكثر.

لقد عقد السوريون آمالاً كثيرة على تلك المباراة، آمالاً بتحقيق إنجاز سوري جديد، علّه يصبغ الأيام القادمة بلون من الفرح والحب.

وعلى الرغم من عدم متابعة معظم السوريين للأحداث الرياضية العالمية، إلا أنهم تابعوا وبالملايين مباريات منتخب بلادهم الذي شكل رمزاً لصمودهم ورمزاً لصمود وطنهم الذي لم تستطع كل القوى العالمية المتآمرة كسره وتحطيمه.

لقد أظهر حماس السوريين في متابعة تلك المباريات أن كل المحاولات لتمزيق الشعب السوري وتفتيته، باءت بالفشل، وأكد السوريون مع لاعبي منتخبهم بتنوعهم، أنهم مازالوا قادرين على العمل والحوار تحت علم سورية، مهما كانت الاختلافات، لتبقى مصلحة الوطن فوق الجميع.

وقد حاولت وسائل الإعلام الغربية والعربية بشكل عام تغييب الإنجازات السورية في مختلف المجالات، لاعتقادهم بأن الإنجازات تصب في مصلحة طرف من أطراف النزاع في سورية، ولكنهم فشلوا هذه المرة في تغييب اسم سورية، فلعب المنتخب تحت العلم الرسمي، متحدياً كل من حاربه، وكل من راهن على ضعفه وفشله، فاستطاع تحقيق إنجاز كروي هام، على الرغم من بساطة الإمكانات المتوفرة له مقارنة مع غيره، إضافة إلى العديد من نقاط الضعف الأخرى التي حالت دون تحقيق الفوز.

إن التحدي الأكبر الواقع أمامنا حالياً هو كيفية الحفاظ على هذا الإنجاز ودفعه إلى الأمام لتحقيق المزيد، وما هي الخطط والآليات الواجب اتباعها، بدلاً من آليات العمل القديمة التي أظهرت ضعفها.

إن ذلك يتطلب تنمية شاملة في مختلفة القطاعات، وخاصة القطاع الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للأفراد، إذ لن يكون هناك تنمية فكرية وثقافية وفنية ورياضية دون التنمية الاقتصادية، فالبنيان الفوقي ما هو إلا انعكاس للبنيان التحتي والتركيز على تحسينه سيؤدي بالضرورة إلى تحقيق إنجازات لها دور هام في إغناء التراث الإنساني والحفاظ على اسم سورية دولياً وعربياً، بإنجازات أبنائها في مختلف الميادين.

العدد 1104 - 24/4/2024